Monday, July 25, 2011

موقعة الجمل الثالثة








تصاحبني منذ صغري صفات ثلاث تتمثل في كوني متمرد، عصبي، ثوري الطبع والطابع، وهو ما كان يتنافي في كثير من الأحيان مع كوني شديد التفاؤل، وقد تكون تلك المفارقة هي ما منعتني عن التخلف عن أيٍ من الجُمَع الثلاث طوال الثماني عشرة يوما التي أطاحت بذلك المبارك، لا بارك الله فيه (التعبير للدكتور سيف الدين عبد الفتاح) ولا في نسله الرضي.




لم أشارك بمظاهرات الخامس والعشرين من يناير رغم وجودي بالتحرير ذلك اليوم ولكن ذلك كان بعد ان قامت عساكر الامن المركزي بإغلاق الميدان علي من فيه، وبلغت مني السعادة مبلغا عظيما عندما أدركتني جمعة الثامن والعشرين وانا في التحرير أتنسم أولي نسمات الحرية يختلط بها ذلك الغاز المقيت الذي يدفعك دفعًا إلي الحرية لا إلي الاختناق.




وبلغ مني الحزن مبلغًا أعظم عندما تخلفت عن موقعة الجمل، بعد قرارٍ بالعودة إلي المنصورة مسقط رأسي، دفعني إليه تفاؤلي الفطري الساذج، وإلحاح أمي القلق. ثم أدركتني جمعة الرابع من فبراير وانا في التحرير، بعد يومين فقط من موقعة الجمل حيث الميدان لم تزل عنه رائحة دم الشهداء بعد. وأخيرًا أدركتني أسعد لحظات حياتي علي الإطلاق عندما سمعت خطاب التنحي من إحدي منصات التحرير جمعة الحادي عشر من فبراير، وليس من أي مكان أخر في الدنيا.




"العيال بتوع التحرير كانوا طالعين علي مقر المجلس العسكري، فاكرينها فوضي، بس أهالي العباسية طلعوا عليهم وادوهم علقة تمام، علشان يلزموا حدودهم ويتعلموا الأدب، ويفضونا بقي من القرف ده"


هكذا قال لي صديقي طه عندما هاتفته مساء الثالث والعشرين من يوليو أسأله عن أخبار تلك الحادثة التي ذهب البعض إلي تسميتها موقعة الجمل الثانية، لم يكن يشغلني موقف طه مما حدث، فهذا هو موقفه من الثورة كلها، وأعتقد أن السبب الوحيد لذلك هو أن الثورة مثلت تهديدا حقيقيا للفانوس الشمال في سيارته المستوبيشي أو المتسوبيشي لا أعرف أيهما الأصح، ولكن كل ما شغلني هو حزني الشديد لتخلفي عن موقعة الجمل الثانية، وصرت أتساءل في جزع شديد، تري هل ستكون هناك موقعة جمل ثالثة؟




كنت دائما ومازلت علي اعتقادٍ راسخ بأننا كمصرين أحفاد الفراعنة عشاقًا للاستقرار، وقد تكون تلك هي لعنة النيل وهبته في الوقت ذاته، فلولاه لما اجتمعنا حول واديه العظيم وتركنا ثلاثة أرباع البلد خاوية علي أساس أن النيل الذي نعرفه أحسن من الصحراء التي لا نعرفها، ولولاه لأطاح موسي بفرعون دون الحاجة إلي معجزة تشق البحور، ولولاه أيضا لأطحنا نحن بفرعوننا دون أن ندفع الثمن دماءًا فتية.




طه ما هو إلا ضحية للعنة وادي النيل، ضحية نظام مستبد أنشئنا علي السموم طعاما لعقولنا وبطوننا، عودنا ألا نري وألا نسمع وألا نتكلم إلا بما تمليه علينا تلك السموم التي تنفثها أبواقه الرسمية وغير الرسمية، نظاما علمنا أن بقائه فيه خلاصنا، وأن زواله فيه هلاكنا. بعد حديثي مع طه سألت نفسي؛ ماذا سيكون حال طه لو أدركتني إحدي موقعتي الجمل وهلكت فيمن هلكوا فداءًا لهذا البلد وفداءًا لطه، وأخذني هذا السؤال لخاطر أفزعني بشدة، وهو أني كنت وحيدًا طوال تلك الجمع الثلاث، تخلف عني كل أصدقائي عدا الجمعة الأخيرة التي صاحبني فيها العربي والاسمعلاوي، فبعد الخطاب الأخير لذلك المخلوع ليلة الخميس العاشر من فبراير، خرجت كالأبله أنهر الناس علي ترك الميدان، وأقسمت ليلتها أني لن أبرح هذا المكان حتي ينزل هذا العجل السمج عن كرسيه اللزج أو أهلك كمن هلكوا ثمنًا لحرية لم يروها، وهأنذا أجدد السؤال علي كل أصدقائي، وكلهم من رواد مدونتي وقرائها، ماذا ستكون حالكم إذا أسلمت روحي لبارئها بموقعة جملٍ ستقبل أو مضت، هل سيكفيكم حزنكم الصادق علي صديقٍ ولي؟ أم ستهبون لنصرتي ونصرة بلدكم؟


محمد عوض




13 اتكلموووووو:

اللي فرط يكرط!! said...
This comment has been removed by the author.
سقراط said...

أستاذة لطيفة
أولا كل سنة وانت طيبة
ويا رب رمضان كريم علينا كلنا
ثانيا بقي انا مش شايف اي حرج في اللي انت قلتيه
بالعكس انا موافقك الرأي تماما
وبعدين حتي لو كان رأيك مش علي هوي البعض حتي ولو كانوا اخوة واحبة
من الواجب عليهم قبل الغريب انهم يتقبلوا الرأي ده
ارجوكي ماتغيبيش تاني
وماتمنعيش رأيك مهما كان اعتقادك في رد الفعل
نورتي مكانك يا فندم
وكل سنة وانت طيبة

Reem Elmesidy said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"طه ما هو إلا ضحية للعنة وادي النيل، ضحية نظام مستبد أنشئنا علي السموم طعاما لعقولنا وبطوننا، عودنا ألا نري وألا نسمع وألا نتكلم إلا بما تمليه علينا تلك السموم التي تنفثها أبواقه الرسمية وغير الرسمية، نظاما علمنا أن بقائه فيه خلاصنا، وأن زواله في هلاكنا."

للأسف كلنا طه يا محمد، كلنا ضحية للعنة وادي النيل وحب الاستقرار، كلنا ضحية الخوف من المجهول والتغيير، بكل محاسنه قبل مساوئه، كلنا هذا الرجل.

تدوينتك اكتر من رائعة يا فندم، وروعتها في فقرتها الاخيرة بسؤالك الصادم فيها، هو بجد سؤال "افزعني بشدة" كما قلت

"ماذا ستكون حالكم إذا أسلمت روحي لبارئها بموقعة جملٍ ستقبل أو مضت، هل سيكفيكم حزنكم الصادق علي صديقٍ ولي؟ أم ستهبون لنصرتي ونصرة بلدكم؟"

صدقني يا صديقي إن قلت لك مش عندي اجابة أو رد أقدر أقوله ...
ولكني في نفس الوقت متأكده أني حزنت على كل من زُهقت أرواحهم الزكية البريئة الطاهرة في مواقع الجمل السابقة كما لم احزن على أحد من قبل في حياتي ...

تدوينتك أشبه بوقفة مع الذات بالنسبالي ...
شكرا بجد عليها، وعلى إنك اديتني الفرصة كالعادة إني اعلق عليها ...

وأخيرا ربنا يحميك ويحمي كل ما وقف وقفة حق في وجه سلطان جائر
ويسلِّم أرواح الأبرياء في كل مكان ...

Anonymous said...

أنا بقيت مشهور يا جدعان

محمد البديوي said...

محمد بيه
التدوينة في أسلوبها جميلة أوي في البناء الأدبي وقبل ما ندخل في اطار الجد العربية اسمها ميتسوبيشي .واضح جدا نبرة الحزن اللي انت بتكتب بيها وبصراحة ده اقل واجب من كل اللي بنسمعه من ادي اللي اخدناه من الثورة و من شوية الصيع اللي راحوا الميدان وكأن لسان حالهم في نفس الموضوع اللي دار بين الانسان ونفسه من دشليار نفسهتعيش كويس زي الكلاب ولا تموت مكرم زي البني ادميين والظاهر ان احنا بنختار دايما الاختيار الاول اسمحلي من ضمن التعليقات الظريفة اوي على المظاهرات الاخيرة في الميدان قبيل الاعتصام الثاني :"هيه الناس دي معندهاش شغل" بنية ان مفيش شغل هيسيب عيال صايعة زي دول يتحكموا فيه وياخدوا كل الاجازات دي بس فعلا احنا كلنا قرفنا وطبعا انت عارفني مش متفائل زيك بس اللي انا عارفه ان الفرج قريب ان شاء الله

عجوز مخرف said...

الكثير مما كتبت هنا يلسع

لن أزيد الآن..ربما نثرثر حين نتقابل يا حظّابط

هل تكتب بسوط؟؟؟

سقراط said...

ريم
اولا يا فندم حمد الله ع السلامة
الفضاء التدويني كله نور
ثانيا بقي انا فعلا اتمني انها تكون وفقة مع الذات
مع كل ذات عارفة ان خلاص البلد دي مش هايجي غير بالروح الثورية
مش روح خايفة علي الاستقرار الزائف وعجلة الانتاج الوهمية
مرة تانية نورتي الدنيا ياريم
ولو سمحت ماتعمليهاش تاني

سقراط said...

طه
انت من يومك وانت مشهور يا طه
نورت يا معلم

سقراط said...

حامد
طبعا احنا لما اتكلمنا قلت لك اني مافهمتش حاجة من اللي انت كتبتها
بس انا زيك بتمني ان الفرج يكون قريب
نورت يا كبير

سقراط said...

محرم
ماهو انا مش فارسني غير ان احنا بنثرثر بس
مابنعملش حاجة
فاذا كان الوضع هايفضل علي كده
انا بقول كل واحد يثرثر في بيتهم وخلاص
ومالوش لازمة بقي الجهد العضلي علي رأي حامد
بجد خافوا مني
لاني علي اعتاب ثورة تصحيح زي بتاعة السادات

Mohamed AbdAllah said...

والله رب السماء والارض ماكنت لأتنازل عن حقك أبدا أبدا فأمام الطغاة اما النصر من الله او الشهادة في سبيلة نصرة لدين الذي اقر ان الحق لايضيع وان الساعي على الحق لا يترك الا على أسنة الرماح , والله من وراء القصد . عسى ان نكون من الصادقين .

العناية بالشعر said...

ربنا يرحم جميع شهداء مصر

العناية بالجسم والبشرة said...

مصر تتحدث عن نفسها