Saturday, November 19, 2011

فلسفة الانتحار




إحصائيات مملة لكن لابد من ذكرها:

أكد الدكتور هاني جمال الدين رئيس مركز السموم التابع لمستشفي جامعة عين شمس ان حالات الانتحار في مصر في تزايد مستمر،ففي سنة 1982 كانت نسبة الانتحار 19% من حالات التسمم اللي زارت المركز، وسنة 2006 كانت 250 الف حالة تسمم منها 46% حالات انتحار، يعني حوالي 110 الف حالة، ويؤكد الدكتور هاني أن هذا الاحصاء الذي يقوم به المركز يضم حالات القاهرة الكبري فقط ولا يضم تلك الحالات التي تموت قبل وصولها للمركز أو تلك الحالات التي تنتحر بوسائل أخري مثل الانتحار بالحرق أو الغرق أو السقوط من فوق الأدوار العليا. أما الدكتور محمود عمرو مدير المركز القومي للسموم بقصر العيني فيقول "ليس لدينا أرقام دقيقة لأعداد المنتحرين، إلا أن المركز يستقبل200 حالة انتحار شهريا، أي بواقع2400 حالة سنويا".

على الرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف حدّ من ظاهرة الانتحار على نحو ملحوظ في بلداننا العربية والإسلامية، مقارنةً ببلدان الغرب الشمالي، إلاَّ أن بورصة الانتحار عربياً تحركت في السنوات الثلاث الأخيرة فبدّلت معها بالتالي من معدلات الانتحار، ونسب المنتحرين بين بلد وآخر. ففي مصر مثلاً، بلغت حوادث الانتحار نسباً مرتفعة منذ العام 2007 إلى العام 2010، إذ تشير الأرقام المستقاة من مصادر أمنية مصرية إلى أنه جرت في العام 2007، 614 حادثة انتحار، تلتها في العام 2008، 713 حادثة، وفي العام 2009، 917 حادثة، وفي العام 2010 تصاعد الرقم إلى أكثر من 1300 حادثة. وأشارت المعلومات إلى أن النسبة العالية من المنتحرين كانوا من الشباب، وذلك لدواعي ضيق فرص العمل المنتج أمامهم، وكذلك صعوبة تخلصهم من ديون مالية مبهظة .. علاوة على ارتفاع نفقات الزواج بكلّ مستلزماته..إلخ. (المصدر: دورية "أفق" الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي، العدد 56 بتاريخ يونيو 2011)

==================================================


بس كده، دلوقتي نقدر نبتدي التدوينة


في حكاية مشهورة ناس كتير تعرفها، ان كان في شاب اتقدم لاختبارات وزارة الخارجية، كان خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والاول علي دفعته، وبعد ما نجح في كل الاختبارات تم رفض تعينه علي أساس انه غير لائق اجتماعيا وده علشان ابوه فلاح، الشاب ده خرج بعد ماعرف النتيجة دي وراح لاقرب كوبري ورمي نفسه في النيل.... الحكاية دي احنا سمعناها من الدكاترة في اول سنة لينا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

وفي حكاية تانية حصلت من يجي سنتين تقريبا، ان شاب شنق نفسه علي كوبري قصر النيل والاشاعات انتشرت بس كان اغلب الظن فيها انه كان بيحب بنت وهي كمان بتحبه بس ظروفه ماكانتش مساعداه انه يتجوزها، وكمان حكاية البوعزيزي اللي فجر الثورة التونسية واللي كلنا تقريبا عارفينها، وكان شاب برضه عنده ستة وعشرين سنة بس.

كل الحكايات دي بالنسبة لنا مش صادمة، بعضنا متفهم أسبابها جدا والبعض الاخر مستنكر الفكرة أصلا، البعض علي اساس عقلي والبعض علي اساس ديني، المهم ان كلنا كنا بنستقبل الحكايات دي علي انها بتعبر عن الدرجة القصوي من اليأس او الدرجة الدنيا من الايمان، لكن كلنا اشتركنا في استقبالها بشكل عادي تماما، لكن الظاهرة اللي بيتعبرها البعض صادمة فعلا هي ظاهرة انتحار الشباب في الدول الاسكندنافية.

الاول خلونا نقول ايه هي الدول الاسكندنافية للناس اللي مش عارفين، هم خمس دول في شمال اروبا (الدانمارك، السويد، النرويج، فنلندا، ايسلندا) خمس دول محسودين من كل العالم، دول غنية جدا، ومدلعة جدا، وماعندهمش اي مشاكل من اي نوع، الحكومات هناك بتوفر الدعم المادي والسكن وفرص العمل لكل فئات المجتمع، وبمنتهي البساطة انت تقدر تلمس الدلع ده لما تشوف سفارة من السفارات دي في مصر، سفارة فنلندا مثلا موجودة في الدقي عند اول نفق الجلاء من ناحية العجوزة، شوف المبني عامل ازاي وانت هاتحس من غير ما حد يقولك، الناس دول ماعندهمش غير مشكلة واحدة بس، ان عندهم أعلي معدلات الانتحار سنويا في العالم كله.

هنا بقي هانتكلم عن فلسفة الانتحار، وازاي الدول الاسكندنافية دي اللي اصلا ماعندهاش اي مشكلة من اي نوع، معدلات الانتحار فيها هي الاعلي علي مستوي العالم، الدراسات العلمية بتقول ان الشباب في الدول الاسكندنافية بينتحروا من كتر الرفاهية، او علي زي ما بتقول الدراسة المنشورة في دورية أفق (والحقيقة أن أسباب، أو دوافع الانتحار في تلك البلدان تعود، وبحسب تحليل الرسائل التي يتركها المنتحرون وراءهم، إلى التيه والضياع والفراغ والملل والوحدة. فمعظم المنتحرين يعانون من خواء روحي، وفقدان حافز الاستمرار في أكثر من سياق حياتي). خلونا بقي نحط مليون خط تحت اخر جملة "فقدان حافز الاستمرار في أكثر من سياق حياتي" أهي هي دي الزتونة اللي احنا بنجري وراها من الصبح، هو ده السبب المشترك عند المقبلين علي الانتحار سواء في دول العالم التالت او في اغني وارفه دول العالم.

لسه برضه ماوصلناش قوي، الفلسفة في موضوع الانتحار هي فكرة ان الانتحار مش بس بانتهاء الحياة المادية للانسان، يعني مش شرط الانسان يموت نفسه علشان يبقي كده انتحر، وخلونا نبسط الفكرة دي بالامثلة بتاعتنا اللي قلناها في الاول.

الشاب بتاع كلية الاقتصاد اللي انتحر علشان مش لاقي اي تقدير لمجهوده، وانه ماقدرش يوصل لهدفه بعد تعبه الطويل، كان ممكن يختار انتحار تاني خالص، كان ممكن مثلا يقبل انه يشتغل في اي شغلانة، يشتغل في خدمة العملاء مثلا في اي شركة من الشركات الكبيرة العالمية زيه زي نص خريجين كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وينسي بقي تعبه طول سنين الثانوية والجامعة علي أساس ان ده حال البلد مش حاله لوحده، ويتحول لحيوان بيروح الشغل ويجي من الشغل ويتجوز ويخلف ويموت موتة ربنا، او كان ممكن يعمل حاجة تانية خالص، كان ممكن يتعلم ازاي يبقي انسان وصولي وانتهازي وقذر، ينضم للحزب الحاكم ويشق طريقه بمجهوده، ويستخدم كل مهارات تسلق الجبال ولحس النعال، وفي الحالة دي هاتبقي شهادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جت بفايدة، ويترقي يترقي لغاية ما يبقي وزير،،، ماهو في الحالة دي برضه هايبقي انتحر بس بشكل معنوي.

والشاب اللي شنق نفسه علي كوبري قصر النيل، برضه كان قدامه طريق تاني، كان ممكن يقضيها مخدرات وبنات ليل، ويعيش حياته زي نص شباب البلد، وبرضه كان هايبقي انتحر معنويا، والبوعزيزي هو كمان، كان ممكن يصهين علي موضوع القلم اللي خده من سعادة الباشا الظابط "فادية حمدي"، ويعيش الدور ويطلع في التلفزيون ويعمل قرشين من ورا منظمات حقوق الانسان والفضائيات، وبرضه هايبقي انتحر معنويا.

كان في فيديو مستفز ذاعته قناة الحرة بتعلق فيه عن احداث ماسبيرو يوم تسعة اكتوبر، الفيديو كان متصور في مكتب قناة الحرة اللي موجود جمب ماسبيرو بالظبط، كان السادة العاملين في المكتب بيقولوا شهادتهم في اللي حصل يوم 9 اكتوبر، وان ازاي المتظاهرين هما اللي اعتدوا علي الجيش، واحد فيهم قال: "اول حاجة فكرت فيها اني اجري والحق عربيتي، والحمد لله قدرت اطلعها واركنها في مكان بعيد ورا هلتون رمسيس، وفي واحدة زميلتنا ولعوا في عربيتها". لما شفت الفيديو ده افتكرت المرة الوحيدة اللي روحت فيها ميدان روكسي، كان في راجل زي البغل عنده حاجة واربعين سنة، بيتكلم مع تلاتة اربعة واقفين قدامه، كان بيقولهم: "ثورة الجياع دي لو كانت جت عندنا هنا في مصر الجديدة وشافت المباني والعربيات وشافت العيشة اللي احنا عايشنها، ماكانش حد فينا طلع سليم، كانوا خلصوا علينا".

اخيرا بقي،، عندي رسالة صغيرة لاخوانا المؤدبين بتوع احنا اسفين، الناس اللي نزلت ايام الثورة واللي بتنزل الاعتصامات لغاية دلوقتي مش جياع ومش اغبيا، اه فيهم اللي مش متعلم وفيهم اللي معدم، لكن برضه فيهم الاغنيا وفيهم الحاصلين علي اعلي الدرجات العلمية، اللي جمع ما بينهم هو نفس السبب اللي جمع ما بين المقبلين علي الانتحار في مصر وفي الدانمارك، فقدان حافز الاستمرار في الحياة من غير كرامة وحرية وعدالة اجتماعية.

محمد عوض