Monday, August 17, 2009

بو...ـبوس




- عمو عمو ..
- نعم يا حبيبي
- ممكن تضرب لي الجرس ده .. أصلي مش طايله
(صوت جرس: تررررررررررن)
- عاوز حاجة تانية ..
- آه .. يللا نجري.


لم يكن ذاك هو مربط الفرس، ليس لأنه صدمني بحقيقة أكره تذكرها، ولكن لأنه صدمني بإعجابه بالكاتب –على حد تعبيره- يوسف معاطي. وحيث أننا على مشارف صداقة كنت –ومازلت- آمل صَقلَها، وكيف لا وقد تلاقت اهتماتنا فى أكثر الأمكنة قربًا إلي قلبي، كان منير أولها، إلا أن صدمتي كانت أشد وطأةً عندما علل ذلك بأن يوسف معاطي حسبه –بعد الله- عادل إمام ونعم الشفيع، وأنه بوصوله إلى عادل إمام، الذي –على حد تعبيره أيضا- يحمل السينما المصرية على كتفيه، فقد عَبَر ما هو أعتي من المانش، ولا عزاء لعبد اللطيف أبو هيف.


أما عن حقيقتي التي أكره تذكرها والتي صدمني بها صديقي أو صدمني اكتشافه إياها، لخَّصها فى قوله بأني ((لا يُـطاق جدالي))، فبادرته مدافعًا "ليس بشأن كراهيتي لأحد تلك المخلوقات الخمسة على ظهر هذا الكوكب، والتي يأتي يوسف معاطي على رأسها". والحق أني ألتمس لصديقي العذر، فقد كان تصريحه هو رد الفعل الطبيعي والوحيد لتلك العاصفة التى أطلقتـُها بكل ما أوتيت ولم أوتي من القوة، حاطـًا بصديقي –وليس يوسف معاطي- إلي أسفل الأسفلين. ولكني، أيضا، ألتمس العذر لنفسي .. فقد يتقبل العاقل ندرة الأيدي البانية، ولكنه لا يتقبل، بأي حالٍ من الأحوال، كثرة مَعَاول الهدم.


سألتُ صديقي –بينما أنا ما أزال أسيرًا لثورتي- "سمِّ لى فيلمًا واحدًا من أفلام يوسف معاطي يستحق الإشادة؟" .. وكانت إجابته من الوهنِ بما يدعو حقـًا للرثاء، فقد قال بأن عقله لا يُسعفه بأي منها الآن. بالله عليكم، أليس ذلك بمدعاةٍ للرثاء؟ ألا تحتفظ ذاكرة أحد معجبي الكاتب، الذي يحتل اسمه ما يربو على نصف الانتاج السينمائي السنوي فى الخمسة أعوام الأخيرة، ولو بفيلم واحد يشارُ إليه ببنان الإكبار والتقدير؟


والحق أن يوسف معاطي لا يستحق هذا الرثاء ولا حتي مجرد الاهتمام، وأنـَّي لنا أن نهتم بكاتبٍ تخلو أعماله من أدني درجات الفكر أو المنطق، كاتب بارع فى تفجير القضايا، فقط تفجيرها، ثم الهرب قبل أن تصيبه إحدي شظايا هذا الانفجار، دون أن يخبرنا حتى بالهدف والطائل وراء مثل هذا التفجير.


الأمر لا يتطلب إعمالا للعقل، إنما يتطلب دراية بالالفاظ البذيئة وغير المقبولة أخلاقيًا، لملء الفراغ الموجود بالعنوان، باستخدام حرف واحد فقط، حتى يتبدي لك الاسم الحقيقي لآخر أفلام يوسف معاطي.
قل لي بالله عليك، أين المنطق فى فيلم مثل "السفارة فى العمارة"، كيف ينتهي الفيلم بتجاهل القضية الرئيسية التى أثارها لتتزوج الفتاة المثقفة الثورية من ذلك الشيخ الشهوانى الذي يكبرها بأربعين عامًا. أخبرني، عفا الله عني وعنك، كيف يخرج صديقان أحدهما مسلم والآخر مسيحي من السينما بعد تعرضهما لذلك الكم من المتفجرات فى فيلم "حسن ومرقص"، دون أن تتمزق أواصِر الود بينهما؟ ... هكذا أحكمت قضبتي على صديقي قبل أن يمضي وهو ينعتني بأني صعب المراس.


أعلم تمام العلم أني أستحق وصف صديقي، ولكني ما أن أخلو إلي نفسي وأحاول اقتفاء مواطن الخطأ فى رؤيتي الحادة، ومواطن الصواب فى رؤية الأخر الجادة، حتى أجد ما يُذكـِّي ثورتي ويزيدها اشتعالا. عندما خلوت إلى نفسي بعد ذهاب صديقي، وأخذت التفكر فى الأمر بعيونه، لم أجد فى أعمال يوسف معاطي سوي تلك "النكتة" القديمة التى يقوم فيها الطفل الصغير بمشاغلة جيرانه بأن يطرق بابهم ثم يجري للاختباء، هكذا هي أعماله، تطرق أبواب عقولنا ثم تهرع إلى الاختباء، فإذا ما فتحنا لا نجد سوي الفراغ يطالعنا بوجهه الخالي من أية ملامح، حتي إذا ما اعتادت ذلك عقولنا توقفت عن الاستجابة لأي طارق، إلي أن يكسو الصدأ مفاصلها ويمنعها الحركة، وقتئذ تكون أعمال يوسف معاطي قد آتت ثمارها، حيث تزداد جماهيره ومعجبيه من أصحاب العقول الصدئة.