Tuesday, February 21, 2012

القرصان والإمبراطور




لم تكن إلا دقائق معدودة عقبت الإعلان عن خبر وفاة الكاتب المصري الكبير إبراهيم أصلان حتي انتشرت مراسم العزاء الافتراضية علي موقعي تويتر وفيس بوك اننشار النار في الهشيم، وأصبح الكل يدلي بدلوه ويتحدث بمشاعر فائضة واصفًا مدي النائبة التي حلت بالمجتمع بالنظر لمكانة الفقيد. وبعد أن فرغ الأستاذ بلال فضل من تقديم العزاء الافتراضي من خلال حسابه الخاص علي موقع تويتر عكف علي توجيه خطابٍ هام إلي المجتمع.. الافتراضي أيضا. تحدث الأستاذ بلال فضل عن حقوق الملكية الفكرية وعن مدي الجرم الذي نرتكبه إزاء الفقيد وأسرته في النيل من حقهم في عوائد مؤلفات الكاتب الكبير عندما نقوم بتحميل نسخة إليكترونية من إحدي مؤلفاته بدلا من أن نتكلف عناء النزول إلي أقرب مكتبة لشراء نسخة واقعية.


علي الصعيد الأخر من العالم تقدم السيناتور لامار سميث من الحزب الجمهوري الأمريكي بمشروع قانون إلي مجلس النواب الأمريكي في أكتوبر الماضي أطلق عليه "SOPA" اختصارا لجملة (Stop Online Piracy Act) مطالبا بفرض حقوق التأليف والنشر علي المواد الإليكترونية المتداولة عبر الانترنت ويقترح إغلاق أي مواقع إليكترونية إذا ثبت أنها تؤدي أو تساعد في انتشار القرصنة عبر الانترنت. جريدة أخبار الأدب المصرية نشرت هذا الخبر في عددها الصادر بتاريخ 29 يناير 2012 وجاء في ثنايا الخبر أن "القانون أثار فئات عديدة في المجتمع الأمريكي وخرجت مظاهرات مناهضة له أمام البيت الأبيض تطالب بعدم طرحه علي الكونجرس لأنه يهدد الانترنت وحرية التعبير"


وعَوْدٌ علي بدء، اعتبر الاستاذ بلال فضل أن مجرد القيام بتحميل نسخة افتراضية من كتاب ما دون اقتنائها بالطرق الواقعية أي دون دفع مقابل، هو في حد ذاته اعتداء علي حقوق الكاتب الفكرية والمادية. ولكن قد يبدو للأمر تفسيرا آخر، يمكننا أن ننعته بالثورية إذا شئنا، يتمثل في خروج تلك المظاهرات المناهضة لذلك القانون الذي يدعم نفس وجهة النظر، ولكن فلننظر للأمر نظرة محلية أكثر منها عالمية، فلننظر مثلا إلي ثورتنا المصرية التي كانت مجرد نضفة افتراضية في رحم الانترنت اعتراضا علي رحم واقعي لا يلد لنا إلا الجوع والقمع والظلم، فلنتحر أكثر عن الأسباب التي قد تدفع قارئًا أو غير قارئ إلي اقتناء نسخة افتراضية من كتاب ما بدلا من اقتناء نسخة واقعية، ولنستخدم نفس المثال السابق، الكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم أصلان. بالرجوع للمشتغلين في تجارة الكتب سيتبين لنا أن الطبعات القديمة من مؤلفات الكاتب الكبير التي نشرت من خلال دار الهلال، أو دار المعارف أو الهيئة العامة للكتاب لم تعد متاحة إلا لدي جزاري سور الأزبكية الذين يبيعون الكتب بأسعارٍ سياحية، حيث هناك تسعيرة لكل كاتب بصرف النظر عن السعر المطبوع علي خلفية الكتاب، وهم إذ يقدمون علي سلوك الجزارين يدركون تمام الإدراك أن ما دفعك إليهم لسيت سوي المذابح الكبيرة التي تمتلكها الشركات الرأسمالية كدار الشروق مثلا التي تمتلك حقوق النشر لكل مؤلفات الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، والأستاذ بلال فضل، وغيرهما، والتي تمكنها سياستها الاحتكارية وحوزتها لحقوق النشر لأغلب وأهم الكتاب المصريين المعاصرين منهم والراحلين، من طرح أسعار خيالية لا تتناسب إطلاق ورداءة نوع الورق المستخدم في الطباعة. كما أن التسعيرة قد تختلف من طبعة إلي أخري فبعض الكتب يزيد فيها سعر الطبعة الرابعة عن الطبعة الأولي بأكثر من 25% من السعر ولا يفصل بين الطبعتين سوي شهور معدودة، حيث أن ذلك يعني زيادة الطلب علي هذا الكتاب مما يتطلب بالضرورة زيادة في السعر. وهذا ما قد يذكرنا بسياسات مماثلة أدت إلي اندلاع ثورات الربيع العربي. وبالقياس علي هذا المثال يتبين لنا أن الإقدام علي قرصنة الكتب أو تحميل النسخ الإلكترونية منها دون الواقعية قد يعتبر علي مستوي من المستويات عمل ثوري لانه يتضمن مطلبين من ثلاثة مطالب نادت بها تلك الثورات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".


في عددها الصادر بتاريخ 19 فبراير 2012 نشرت أخبار الأدب خبرًا يفضي بأن الكاتب الكبير باولو كويليو يدعم قرصنة الكتب، حيث دعا قراصنة الانترنت في العالم بأن يتحدوا وأن يقوموا بنسخ كل شيء كتبه وتحميله مجانا علي الانترنت، كما انضم إلي موقع خليج القراصنة مؤكدا لصناعة الإعلام "أن الطمع لا يؤدي إلي شيء". كما انتقد القانون الأمريكي الخاص بوقف عملية القرصنة علي الانترنت، قائلا بأن "هذا القانون من شأنه التأثير ليس علي الحرية في أمريكا ولكن علي العالم كله". يري كويليو أن عملية قرصنة الكتب تساعد في انتشارها، فمنذ عام 1999 عندما تم قرصنة روايته "الخيميائي" جعلها تبيع أكثر من 12 مليون نسخة حتي الآن، ويصرح الروائي البرازيلي "أن هدف كل المؤلفين أن يُـقرأ لهم، سواء جري ذلك في صحيفة أو مدونة أو كتاب أو حتي جدار، وكلما سمعنا أغنية علي الراديو كلما زاد احتمال إقبالنا علي شرائها وكذلك الحال مع الأدب". وقع باولو رسالته علي موقع خليج القراصنة "مع حبي، القرصان كويليو"


تحكي إحدي كتب التاريخ أنه علي عهد الإسكندر الأكبر ألقي القبض علي أحد القراصنة، وتمت محاكمته بتهمة القرصنة، ولكنه رفض توجيه مثل هذه التهمة له، وعندما سأله القاضي عن السبب أجاب "بأن الإسكندر الأكبر هو الأخر يأتي نفس الفعل إلا أنهم يطلقون عليه اسما آخر، فإذا أقدم علي هذا الفعل شخص ما بسفينه واحدة يطلق عليه قرصانًا، أما إن قام به الإسكندر بأسطولٍ كامل يطلق عليه إمبراطورا"


محمد عوض