Tuesday, March 23, 2010

انت نازل؟؟؟



سألني بمنتهي البساطة: انت نازل؟ فقلت له: أيوة نازل.
بس الحكاية ما بدأتش هنا. الحكاية بدأت من يجي أربع سنين، لما قررت إني هابقي واد إيجابي فيما يخص موضوع النضافة وقلت انا من النهاردة مش هارمي حاجة ع الارض. أي حاجة، وعلي أي أرض... والتزمت.. أكتر من تلت سنين فضلت ماشي علي مبدأي ومابرميش حاجة ع الارض وكنت فاكر ان كده البلد هاتنضف، مش كده بالظبط يعني بس لما كل الناس تعمل كده اكيد البلد هاتنضف وقلت ابدأ بنفسك بقي وكل الكلام الحمصي ده، وفضلت علي كده أكتر من تلت سنين لغاية ما جه يوم بصيت حواليا لقيت الزبالة في كل حتة بتطلع لي لسانها وتقولي: بتعمل ايه يا أهبل. وبناء عليه قررت اني ارجع واد سلبي تاني ايه اللي انا جنيته من تلت سنين، يا دوب شوية من اصحابي اقتنعوا وبدأوا يعملوا زيي بس الحال زي ماهو وانا اتخنقت بصراحة مش من موضوع النضافة والزبالة بس من الايجابية كلها وقررت أبقي نازل.

لما بتكون في المترو ونازل المحطة الجاية وفي واحد واقف بينك وبين الباب بتسأله: انت نازل الجاية؟ لو كان نازل بيرد عليك ويقولك: أيوة نازل، ولو مش هاينزل هايرجع ورا ويسيبك تطلع مكانه، بس هو ماكانش واقف ورايا ده كان واقف في وسط العربية ومع ذلك سألني بمنتهي البساطة: انت نازل؟ فقلت له: أيوة نازل، فقالي: بص كده قدامك. استغربت قوي وبصيت قدامي ورجعت بصيت له بعيون مش فاهمة، فقالي: اللي مكتوب ع الباب.. ممنوع النزول.

اااااااااه ايوة ايوة.. الحكومة بتاعتنا المصونة والجوهرة المشلولة.. قصدي المكنونة كانت ابتلتنا كده بموضوع جديد من فترة، ونازلة زن علي دماغ الناس فيه، قال ايه عاوزة الناس تلتزم بأبواب الصعود والنزول في المترو، وقال ايه برضه ان هو ده اللي هيحل مشكلة الزحمة.. وبعيدا عن الدخول في مناظرة مع الحكومة لمناقشة فايدة الموضوع ده من عدمه، كل ده ما يفرقش معايا اللي يفرق معايا هو رد فعلي اللي كان غاية في اللامبالاة ومش عارف بجد انا جبت البرود ده منين لما قلت له بكل بساطة: وايه يعني؟ فقالي: يعني ماينفعش تنزل من هنا، فقلت له بنفس كمية اللامبالاة: وايه اللي هيحصل يعني لو نزلت من هنا؟ فقالي علي مسمع ومرأي من كل الحاضرين: وليه نعمل الغلط.. ما باب النزول اهه مش بعيد. فردت عليه وقلت له: انت شايف انها هاتفرق يعني؟ فقالي بمنتهي الهدوء: أكيد طبعا هاتفرق، مش جايز العيب فينا احنا، ايه المشكلة لما نجرب نعمل حاجة صح... ولحد هنا سكت الكلام لاني اتحركت بمنتهي الهدوء من مكاني وروحت وقفت قدام باب النزول.

لما قررت اني استجيب لكلامه واروح انزل من باب النزول كان كل اللي في بالي اني اقدم له خدمة، كنت عاوز اقوله انه ماشي صح، وانه لازم يعمل كده كل مرة من غير ما ييأس، كنت خايف انه يعمل زيي بعد كام سنة ويفقد الأمل، لكن بعد مانزلت من المترو اكتشفت ان في حاجة تانية حصلت، اكتشفت ان اللي حصل بيني وبينه كان درس صوت وصورة لكل اللي كانوا موجودين في المترو وشافوا وسمعوا الحوار اللي دار بينا.

كان شاب في سني تقريبا، شاب عادي جدا مش مربي دقنه ولا حاجة، يعني مش من الوعاظ، بس من المهمومين، من المهمومين بحالنا وحال البلد بتاعتنا، ومش من المدعين انهم مهمومين، يعني ماقررش يرشح نفسه للرئاسة ولا يغير الدستور علشان يغير حال البلد للاحسن، ماقررش انه يعمل برنامج توك شو ويعمل نفسه واحد من الناس ويعيط فيه علي حال البلد واللي وصلت له، ماقررش انه يعمل جروب ع الفيس بوك، وما قررش يعمل حجات كتير قوي كان ممكن يرضي بيها نفسه، بس قرر انه مش هايسكت ع الغلط، قرر انه مش هايسمح بإنه يشوف حد نازل، علشان البلد ما يبقاش حالها علي طول الخط في النازل.

Tuesday, March 16, 2010

الحب فوق هضبة الهرم



- المسألة بكل بساطة ان الجواز بقي شيء مستحيل وسياتك طبعا سيد العارفين.
- بصراحة انت مشكلتك صعبة .. لكن أرجع وأقول ان الشباب اللي زيك عليه معظم العبء في تغيير المجتمع حسب ظروفه الجديدة.

لو افترضنا ان السينما وخصوصا الواقعية منها بتقدم صورة للمجتمع لا تقل في صدقها عن الصورة اللي ممكن تقدمها لنا مرايتنا، ولو افترضنا ان الفيلم ده بالفعل قدم لنا صورة للمجتمع المصري سنة 1986، وأخيرا لو افترضنا اننا النهاردة بقينا سنة 2010 .. وانت عامل ايه دلوقتي؟؟؟

فيلم "الحب فوق هضبة الهرم" عن قصة الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ بطولة النجم الأسمر أحمد زكي واخراج عاطف الطيب وانتاج 1986 قدم صورة ممكن توصف بالسوداوية في وقتها لكن النهاردة ممكن توصف بإيه؟ الفيلم في كلمتين اتنين "صرخة مؤلمة" .. كل اللي حصل ببساطة ان شاب مصري بسيط ينحدر من الطبقة الوسطي تخرج في كلية الحقوق وتم تعينة من قبل الدولة بإحدي مصالحها في وظيفة لا يعرف كنهها ويعجز راتبها عن استيفاء حاجاته الأساسية منفردا. هذا الشاب عاوز يتجوز البنت اللي بيحبها ولانه بيحبها ولان الحب في الاول بيلون الدنيا فوشيا بيقرر بمنتهي البساطة انه يروح يخطبها من اهلها، وفجأة الدنيا اللي كانت فوشيا تبتدي تغمق وتخبطه في حيطه ورا التانية. لكن هو كان مؤمن تماما ان حبه وقوة ايرادته كفيلين بإنهم يكسروا أجدعها حيطة.

- رجاء: ايه فايدة الحب واحنا مش قادرين نحقق أي حاجة يا علي؟
- علي: طول ما في حب مش هاتكون في أي مشاكل.

المهم.. "علي" بيقرر يتحدي كل الحيطان اللي في البلد و"رجاء" بتهاوده، بس هي هاتعمل ايه؟ ماهي كمان بتحبه، ومش معقول الدنيا كلها هاتضيق علي اتنين كل احلامهم انهم يتجوزو، لكن الجواز ده مش اللعبة اللي كنا بنلعبها واحنا عيال صغيرين ونمثل فيها دور بابا وماما.. الجواز ده عاوز شقة وشبكة وشغل كله بحرف الشين.

- المدير: اومال انت بتعمل ايه؟
- علي: بشرب شاي وبقرا جرايد وابحلق في زمايلي يا فندم.
- المدير: ازاي الكلام ده .. اومال انت موظف هنا ليه؟
- علي: انا بسأل نفسي نفس السؤال يا فندم .. مش معقول اتعلم 16 سنة وفي الاخر اتعين في وظيفة منيش عارف ايه هي .. كل اللي بعمله ان انا بمضي حضور وانصراف.
- المدير: الكلام اللي بتقوله ده يا استاذ "علي" كلام خطير ويتنافي مع خطة الانتاج اللي أعلنت عنها الدولة. - علي: لا يبقي خلاص يا فندم .. طالما الدولة بتقول كده يبقي أنا غلطان طبعا.


طالما الدولة بتقول.... بس هي الدولة بتقول ايه دلوقتي؟ طب الكلام ده ايام ما كانت الدولة عندها خطة انتاج، دلوقتي عندها خطة ايه؟ انا بحاول اتخيل ببساطة لو شاب دلوقتي في موقف علي ده.. يعني بيحب واحدة وعاوز يتجوزها وقرر برضه بنفس الدرجة من الجنان انه يروح ويتقدم لها وهو علي فيض الكريم، ايه هايكون موقف أهلها؟

- الأب: في واحد عاوز يتقدم لرجاء .. بتقول انه زميلها في الشغل.
- الأم: يعني موظف .. يبقي لازم عنده دخل غير مهيته؟
- رجاء: لا أبدا ده انسان بسيط وعلي قد حاله.
- الأم: يعني ايه؟
- رجاء: احنا اتفقنا علي كل حاجة
- الأم: اتفقتوا علي ايه؟ ح يدفع مهر ولا هو اللي هايجهز؟
- رجاء: لا ح يدفع مهر ولا ح يجهز.
- الأب: لازم بقي عنده شقه جاهزة؟
- رجاء: ماعندوش.
- الأم (بمنتهي البساطة): طب اومال عاوز يتجوزك ليه؟
- رجاء (بمنتهي البساطة برضه): لاننا بنحب بعض
- الأم: الحقني يا محمد .. بنتك اتجننت في عقلها.
- رجاء: ريحي نفسك يا ماما.. انا ح اتجوز علي يعني ح اتجوزه.. حتي لو اضطريت اعمل كده من وراكو.

ده كان موقف "رجاء" اللي ما اختلفش كتير عن موقف "نعمة" بعد 18 سنة يعني في سنة 2004، وهي دي السنة اللي انتج فيها فيلم "صايع بحر" من تأليف بلال فضل واللي تقريبا ومن غير سابق ترتيب، بيتكلم عن نفس المشكلة بعد مرور كل السنين دي.

- انت عايز مني ايه يا حنتيرة؟
- بحبك يا نعمة.
- طب وبعدين؟
- طب قولي لي وانا كمان.. بلاش غمضي عينك، بربشي، العبي في شعرك، الطمي علي وشك، اعملي اي منظر.
- ليه انت فاكرني زي بتوع الجامعة ولا ايه؟ أني معايا دبلوم يعني بنحبو نجيبو من الاخر.
- ماشي، انا عارف انك بتحبي تجيبي من الاخر .. طب أخرك فين يا نعمة؟
- لو هاترمي بياضك بالحلال انا زي البحر ماليش اخر .. انما لو ليك شوق في الطياري اخري لابساه في رجلي وهانسله علي دماغك.
- وربنا المعبود اللي مانعرف غيره انا بنحبك وبنموت في امك وعايزين نجوزك دلوقتي حالا بس...
- ايوة، هي بس دي .. قلي يا ابن الحلال مقدرتك ايه واني لو ما وقفتش جمبك يبقي اني بت مش تمام.

بس هو صحيح حنتيرة كان بإيده ايه يعمله وماعملوش، ماهو مقطع نفسه، بالنهار فارش في السوق مع أبوه، وبالليل شغال زفاف، واهي ماشية، ده غير ابوه وامه اللي في رقبته وكل شوية مشاكل وبلدية وكفالة وغرامة، وهو كمان كل اللي عاوزه انه يبطل صياعه بقي ويتلم ويتجوز البت اللي بيحبها واللي من سعده، هي كمان بتحبه وعندها استعداد تقف جمبه وتساعده وتستناه، حد لاقي واحدة زي نعمة دلوقتي.

- نعمة: بس حنتيرة طيب وحنين وابن حلال.
- أمها: بس فقير.
- نعمة: الفقر مش عيب يا امه.
- أمها: لا الفقر عيب .. الفقر عاهة مستديمة، اسأليني انا ولا اسألي روحك
- نعمة: حنتيرة راجل يا امه .. صحيح الدنيا ملطشة معاه لكن لو طلبت عينه هايدهالي.
- أمها: بكرة ربنا يرزقك باللي احسن منه.
- نعمة: عمري ما ابيع نفسي للي يدفع أكتر .. حنتيرة من توبي.. ح نصبر عليه وح يصبر علينا .. لغاية ما ربنا يسهلها .. اني رايحه له يا امه.

في الحالات اللي زي دي لما المشكلة تستعصي علي كل الحلول بيكون الهروب احد البدايل المتاحة والمفارقة ان الدور اللي لعبه "أحمد راتب" في الفيلمين كان هو الشخصية اللي اختارت الهروب. في "الحب فوق هضبة الهرم" هرب من الدنيا كلها عن طريق دخوله في علاقة مع واحدة ست كبيرة في السن لكن غنية قدرت انها تصرف عليه في مقابل انه يوافق علي استمرار العلاقة دي، يعني باختصار باع نفسه في سبيل انه يعيش الحياة اللي كان بيتمناها. لكن في "صايع بحر" باع الحياة كلها بحلوها ومرها علشان ما يخسرش نفسه فقرر انه يعتزل العالم اللي فشل انه يفهم فلسفته مع انه كان دكتور في الفلسفة واتحول من دكتور فؤاد لعم فؤاد التربي.

- فؤاد: انتو عارفين انا اللي عاجبني فيكو يا ولاد ان انتو قدرتو تختصروا المسافات .. انا لما كنت في سنكم كنت مهموم بالحياة والواقع .. ده احنا اتضربنا ضرب في المظاهرات .. كنا عاوزين نحقق احلام شعبنا .. واهو.. انا واحلامي والبلد زي مانتو شايفين.. يارتني عملت زيكو وشفرت الواقع وعشت غريب عنه.
- عماد: لا يا دكتور لا .. احنا.. عايشين واقعنا ومغموسين فيه لغاية شعر راسنا.. انتو بقي كان عندكو حلم كبير.. احنا بقي احلامنا صغيرة.

الفرق ما بين شخصية "حنتيرة" وشخصية "علي" هو تقريبا الفرق ما بين الدنيا سنة 1986 والدنيا سنة 2004، لو حاولنا ندور علي لقب لفترة التمانينات بيتهيألي مش هانلاقي أحسن من الكلمتين دول "بداية النهاية" كانت بداية نهاية كل حاجة كويسة. "علي" كان شاب مثقف بينحدر من الطبقة المتوسطة أو بواقي الطبقة المتوسطة، و"حنتيرة" كان شاب صايع بينحدر من الطبقة الدنيا لان مابقاش في طبقة متوسطة. في التمانينات كانت بداية نهاية المشروع القومي، والقضية القومية، والهم القومي، وفي 2004 مابقاش في حد عارف اصلا يعني ايه مشروع قومي ولا يعني ايه قضية قومية. الشباب علي أيام الدكتور فؤاد كانت أحلامهم كبيرة، كانت أحلامهم قومية، لكن الشباب علي أيام "عماد" و"حنتيرة" كانت أحلامهم صغيرة، بس كانوا بيحلموا، ماهم لازم يحلموا.

- عماد: عايز تسرق يا حنتيرة .. انت مش عارف ان السرقة حرام؟
- حنتيرة: حرام؟ واللي بيحصل فينا ده مش حرام يا خويا.
- عماد: احنا مش في غابة يا جدع.
- حنتيرة: لا يا حبيبي احنا في غابة.. واتعودنا فيها نبقي قرود مسلسلة.. لكن أنا بقي طهقت وزهقت.. ومانيش مكمل قرد، كمل انت لو عاوز.
- عماد: مش هاسمح لك تضيع نفسك.
- حنتيرة: يبني احنا ضايعين خلقة.

قدام وضع بالتعقيد ده، دايرة البدايل بتضيق قوي، في حالة "علي" ماكانش في قدامه حل غير انه يبيع نفسه علشان يكسب "رجاء" او يتخلي عن "رجاء" علشان ما يفرطش في نفسه، لكن هو رفض الحلين، فقرر انه يتمرد علي الوضع كله وانه يتجوز "رجاء"، ولما الدنيا ضاقت بيهم قرروا يهربوا من الزحمة والدوشة ومالقوش قدامهم غير الهرم، كان متخيلين انهم ممكن يلاقوا عند جدود الجدود الحل اللي فشلوا يوصلوا ليه، وعلي هضبة الهرم لقوا المجتمع اللي كانوا بيهربوا منه مستنيهم هناك وبيتهمهم بجريمة ارتكاب فعل فاضح علني. أما "حنتيرة" بقي فقرر انه يبيع نفسه مش لانها هانت عليه، بس لانه ماعندوش حاجة تانية يبعيها علشان يشتري "نعمة".

- علي: لما هايحبسونا هاقدم التماس علشان يحطونا مع بعض في زنزانة واحدة.
- رجاء: تفتكر ده ممكن؟
- علي: أيوة طبعا.

"صايع بحر" انتهي نهاية تقليدية ساذجة، انتهي علي ان "حنتيرة" و"نعمة" اتجوزوا، من غير مانعرف هما حلوا المشكلة ازاي، لكن "الحب فوق هضبة الهرم" انتهي نهاية مفتوحة وغاية في التعبير، انتهي علي صورة ايدين متشبكين ومحطوطين في الكلابشات واصحابهم مش عارفين هما رايحين علي فين.