Wednesday, May 6, 2015

The Grand Budapest Hotel.. وأيقونة أندرسون المتفردة



"في حين أن الممثل هو العنصر الرئيس في فن المسرح، فإن المخرج في فن السينما هو العنصر الرئيس والأهم. والفيلم وإن نُسب -تجاريا- إلي بطله، أو إلي منتجه، إﻻ أنه دائما ما ينسب -فنيا- إلى مخرجه، فيقال (فيلم لـ فلان الفلاني)”

يعجبني دوما الاستشهاد بتلك المقولة وإن كنتُ ﻻ أعرف علي وجه التحديد من قائلها، ربما كنت أنا صاحبها، أو ربما قرأتها هنا أو سمعتها هناك وعمدت إلي ترديدها والاستشهاد بها بين الحين والأخر حتي التصقتْ بي والتصقتُ بها. علي أية حال، طالما تعلق الأمر بفن السينما فابحث دوما عن المخرج. 

 The Grand Budapest Hotel
 أو "فندق بودابست الكبير" من إنتاج عام 2014، والحائز علي أربعة جوائز "أوسكار" من أصل تسعة ترشيحات، للمخرج المتميز Wes Anderson. قد يبدو الفيلم بتعبير الترجمة السينمائية "غريب الأطوار"، معقدا بدرجة ما، عصي علي الفهم أحيانا، ولذلك لن تجد -بعد أن تذرع الشبكة العنكبوتية من أقصاها إلي أقصاها- مقالا نقديا بالعربية يتناول هذا الفيلم ﻻ بالمدح أو التقريع. لكن هذا شأن أفلام "أندرسون" التي وإن بدت غير مفهومة في ظاهرها إﻻ أنها تحمل من القيمة الفنية الكثير.

المخرج
ويسلي ويلز أندرسون. ولد بمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية عام 1969. كانت لطفولته التأثير الأكبر علي تكوين شخصيته الفنية التي أضفت طابعا خاصا علي كل أفلامه. بدأ شغفه بالسينما منذ الطفولة حيث اعتاد إخراج الأفلام الصامتة التي قام بالأداء فيها أخواه وأصدقاؤه، وباستخدام كاميرا أبيه (super 8) تلك الكاميرا التي ذاع صيتها في الستينيات والسبعينيات وقدمتها شركة كودك باعتبارها نقلة نوعية في مجال الأفلام المنزلية أو أفلام الهواة.

وعلي الرغم من هذا الشغف المبكر للإخراج والكتابة، لم يتجه أندرسون إلي دراسة السينما، وإنما درس الفلسفة بجامعة تكساس. وهناك التقي بصديقه ورفيقه الفني الممثل والكاتب Owen Wilson، الذي شاركه في صناعة عدد من الأفلام القصيرة التي عُرضت في حينها علي شبكات التلفزيون المحلية كان أخرها فيلم Bottle Rocket عام 1994، والذي ﻻقي استحسانا علي نطاق واسع وهو ما جلب التمويل اللازم لأندرسون ليتحول فيلمه القصير إلي فيلم سينمائي طويل عام 1996  وليبدأ به مسيرته الفنية التي امتدت طوال ما يقرب من العقدين من الزمن، قدم خلالها ثماني أفلام كانت حصيلته من ورائها ستة ترشيحات لجائزة الأوسكار ثلاثة منها لفيلمه الأخيرThe Grand Budapest Hotel.

التيمة الفنية
يقولون في الأمثال الشعبية "صاحب بالين كداب"، أما في السينما فكثيرا ما يصدق ذوو البالين، وكثير من المخرجين يميلون إلي الجمع بين الإخراج والكتابة، فيشاركون في كتابة أفلامهم أو يكتبونها بمفردهم، وربما لهذا السبب تتشابه أفلامهم إلي حد كبير، وتصطبغ بصبغتهم الخاصة. هكذا هي أفلام أندرسون الذي شارك في كتابتها جميعا. ولكن ليس لهذا السبب وحده تتميز أفلامه عن غيرها حتي لتقترب من كونها أيقونة سينمائية متفردة، بما يجعل المشاهد لدي تعرضه بشكل عشوائي ﻷي من مشاهد أفلامه -أو "صوره" علي حد التعبير اللغوي بالانجليزية- أن يجزم دون سابق معرفة بأن هذا الفيلم مطبوع بخاتم أندرسون، وإنما لعدد من الأسباب منها:

القالب البصري والسردي
يستمد أندرسون التيمة الفنية المميزة له من عدة عناصر عمد إلي تكرارها في أفلامه، أولها وأهمها القالب البصري والسردي، حيث يعتمد أندرسون علي أسلوب مميز في السرد والانتقال بين الأحداث سواء علي مستوي التصوير حيث الحركة الذكية والمعبرة للكاميرا، أو علي مستوي الكتابة حيث التفاصيل المتداخلة واللعب علي أكثر من سياق زمني في شكل قصة داخل قصة. ففي The Grand Budapest Hotel يبدأ الفيلم في الزمن الحاضر بقصة الفتاة التي تزور النصب التذكاري لكاتب تحمل مذكراته الخاصة بين يديها، ثم تأخذك الكاميرا إلي الكاتب نفسه يجلس إلي مكتبه في العام 1985، الذي يواجه الكاميرا ويبدأ في قراءة الفصل الأول من مذكراته التي تحكي رحلة قام بها إلي فندق بودابست الكبير. ثم تنقلك الكاميرا مرة أخري إلي الفندق في عام 1968، عندما التقي الكاتب بمالك الفندق الذي يروي له كيف أصبح مالكا لهذا الفندق الكبير، ومن ثم تنتقل بك الكاميرا إلي المرحلة الأخيرة والقصة الرئيسية في الفيلم والتي تبدأ أحداثها في عام 1932. وبانتهاء أحداث القصة الرئيسية تعود بك الكاميرا القهقري في الزمن، فتنتقل من الثلاثينيات مرورًا بالستينيات ثم الثمانينيات وأخيرا إلي الوقت الحاضر، في رحلة بانورامية آخاذة الجمال.

الجوانب التقنية
إذا ما تخيلنا أن مباراة ما تجري رحاها بين التقنيات الحديثة (المؤثرات البصرية والسمعية)، وبين الإبداع البشري في فن السينما، فيمكننا القول بمنتهي الأريحية أن "أندرسون" قد تغلب بهذا الفيلم علي التقنيات الحديثة ودحرها في عقر دارها (علي حد تعبير معلقي كرة القدم). فعلي الرغم من انتشار المؤثرات التقنية بأغلب مشاهد الفيلم، إﻻ أن أندرسون برع في تطويعها واللعب عليها -بل والتلاعب بها- لتقديم فيلم سينماتوغرافي (Motion picture)  في صورة فيلم رسوم متحركة (Animated picture)، وهو ما ستلاحظه جليا في أداء الممثلين وحركتهم، حركة خطية مستقيمة تبدو مرسومة بالقلم الرصاص أكثر منها طبيعية، ستري ذلك في مشهد المطاردة علي الثلج، ومشهد الهروب من السجن، وغيرها من المشاهد بطول الفيلم. ستلاحظه أيضا في هيئة الشخصيات وأزيائهم ما يجعل بعض الشخصيات مثل "الشقيقات الثلاثة" تبدو وكأنها كرتونية وليست طبيعية.

وإلي جانب أداء الممثلين، برع أندرسون في توظيف حركة الكاميرا لتساهم في إضفاء تلك الهالة الكرتونية، بالإضافة إلي دورها في "كوميديا الموقف"، ففي أحد المشاهد يذهب "زيرو" لزيارة "مستر جوستاف" في السجن، يظهر "زيرو" في الكادر ضئيلا أمام بوابة السجن الهائلة، يقرعها عدة مرات قبل أن يسمع صوت صرير لبابٍ يُفتح، يتلفت حوله مندهشا حيث البوابة ﻻ تزال علي حالها، ثم تتحرك الكاميرا بضعة إنشات إلي اليسار ليظهر في الكادر باب الدخول صغيرًا ملاصقًا للبوابة الهائلة.

العائلة
فكرة العائلة حاضرة في كل أفلام أندرسون، وقد يرجع ذلك إلي التجربة التي عايشها في طفولته حين انفصل والداه وهو ما يزال بعدُ في الثامنة من عمره، واضطراره إلي الانتقال للعيش مع والدته. ولذلك ستجد أن أندرسون يستحضر طفولته في كل أفلامه، فستجد مثلا أن شخصية الأم في فيلم  The Royal Tenenbaums كانت عالمة آثار وكذلك كانت والدته، بل إنها أدت بعض المشاهد باستخدام العوينات الخاصة بوالدة أندرسون. كما أن فيلم Rushmore والذي يحكي قصة طالب بمدرسة ثانوية، قد تم تصويره بمدرسة  St. John's School، وهي المدرسة التي قضي بها أندرسون المرحلة الثانوية.

ومن ذلك أيضا أن أندرسون كرر الاعتماد علي عدد من الممثلين حتي ليكاد يتطابق طاقم العمل بكل أعماله. فمن بين أفلام أندرسون الثمانية شاركه صديقه ورفيقه الفني Owen Wilson في بطولة ستة أفلام، وشاركه الكتابة في ثلاثة منهم. وكذلك الممثل Jason Schwartzman الذي شاركه العمل في خمسة أفلام. أما الرقم القياسي فيعود للمثل  Bill Murray صاحب الفيلم الشهير "Groundhog Day” الذي اقتُبست فكرته في فيلم "ألف مبروك" لأحمد حلمي، وقد شارك أندرسون في سبعة أفلام من إجمالي ثمانية. وهذا الأمر من الغرابة إلي الحد الذي يدفعني إلي أن أتخرص و"أتفذلك" وأقول "أن أندرسون يجد في الاعتماد علي أصدقاؤه بشكل متكرر نوعا من الحميمية العائلية التي افتقدها في طفولته.”

الهزلية
عندما كان في الثانية عشر من عمره جمع "ويز" أبويه ليطلعهم علي رغبته في ترك المنزل والانتقال إلي فرنسا، ومن أجل ذلك قام بتحضير عريضة مسببة ليقرأها عليهما ويشرح فيها دوافع ومبررات قراره، وجاء في ثناياها أن "النظام التعليمي بفرنسا أقوي من نظيره بالولايات المتحدة، ﻻ سيما فيما يخص برنامج العلوم".
قد تلخ
ص هذه الحادثة فلسفة المخرج "ويز أندرسون" ونظرته الهزلية للحياة. تلك النظرة التي ساهمت في تشكل التيمة المميزة لأفلامه. وبالعودة إلي فيلمنا The Grand Budapest Hotel” فأحداث الفيلم تدور في دولة Zubrowka الخيالية والتي تقع علي جبال الألب بشرق أروبا في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، وقبيل الحرب العالمية الثانية. وعلي الرغم من حالة التأهب القصوي التي يعيشها هذا البلد تحسبا للحرب، ستجد أن ضابط الجيش Henckels منشغل طوال الوقت في مطاردة Gustave في مشهد هزلي ممتد طوال الفيلم. وبقليل من البحث بعد مشاهدتك للفيلم ستعرف أن اسم الدولة الخيالية Zubrowka هو في الحقيقة اسم يطلق علي نوع من الفودكا المصنعة في بولندا والتي تحظي بشهرة واسعة في كل أوربا. وستعرف أيضا أن الوحمة علي وجه Agatha هي بالفعل علي شكل دولة المكسيك.

الجائزة
علي الرغم من أن "أندرسون" لم يسبق له الفوز بالأوسكار، إﻻ أن فيلمه الأخير The Grand Budapest Hotel  قد فاز بأربعة جوائز من أصل تسعة ترشيحات، وهو أكبر عدد من الترشيحات والجوائز يحصدها فيلم في المسابقة لهذا العام. كما أنه هو الوحيد من أفلام أندرسون الثمانية الذي فاز بالجائزة. 
وعلي الرغم من أن أندرسون لم يفز بأي من الترشيحات الثلاثة التي وصل إليها عن هذا الفيلم، إﻻ أنك ستلمس طابعه المميز في الجوائز التي حصدها الفيلم. ومن ذلك مثلا جائزة "أفضل انجاز في الموسيقي التصويرية" فقد يكون من المدهش أن تعرف أن الموسيقي التصويرية للفيلم اعتمدت علي آلة نادرة تدعي"بالالايكا"، وهي آلة شعبية روسية الأصل. هذه الآلة كانت من اختيار أندرسون نفسه وليس Alexandre Desplat المؤلف الموسيقي. وأن أندرسون قد جمع العشرات من عازفي هذه الآلة النادرة من روسيا وفرنسا لتسجيل الموسيقي التصويرية وحضر بنفسه كل جلسات التسجيل.

وكذلك جائزة "أفضل إنجاز في المكياج وتصفيف الشعر" فقد اقتنصها الفيلم عن كامل جدارة واستحقاق علي العمل المبدع الذي حول الممثلة Tilda Swinton ذات الخمسة وخمسين عاما، إلي Madame D ، تلك العجوز التي بلغت من العمر أرذله بتجاوزها الثمانين. وقد اعتادت Tilda Swinton أن تقضي الساعات علي كرسي المكياج حتي تخرج شخصية مدام دي بهذا الشكل. يقول أندرسون "نحن ﻻ نعمل عادة بميزانيات ضخمة كتلك التي ينفقها Jerry Bruckheimer ، ولكن عندما تعلق الأمر بمكياج مدام دي قلت "فلنأت بأغلي المتخصصين من أجل هذه الشخصية"

وأخيرا
أندرسون الذي اعتمد طوال مشواره الفني علي ميزانيات متواضعة ﻻنتاجٍ مستقل حقق فيلمه  The Grand Budapest Hotel أعلي إيرادات حصل عليها فيلم مستقل في عام 2014 بإجمالي 175 مليون دوﻻر. بل إنه تصدر القائمة علي الرغم من توزيعه المحدود في دور السينما. فقد حصد في أسبوعه الأول 811 ألف دوﻻر بعد عرضه في أربع مسارح فقط. 

لماذا كل هذا الاحتفاء بأندرسون؟ هو ليس احتفاءًا بأندرسون بقدر ما هو احتفاء بكل صاحب رسالة، وبكل مناضل من أجل رسالته وفنه. وبالأحري احتفاءًا بالسينما المستقلة التي طالما حلم بها الفنان المصري العبقري أحمد زكي، والذي كان دائما ما يشكو صعوبات الانتاج وظلم التوزيع، وهو ما دفعه للانتاج بنفسه حتي ﻻ يتنازل عن مستوي من الفن يليق بأحمد زكي، ويليق بكل صاحب رسالة يناضل من أجلها.
-----------------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض
مقال منشور بموقع "ساسة بوست" بتاريخ 30 أبريل 2015

Tuesday, March 25, 2014

أيها الراقدون تحت التراب .. ما في ألغام






كانت المركبة الثقيلة تقل أربعة من الجنود المستجَدّين وقائدًا لهم، عندما اضطرهم انفجار أحد إطاراتها إلي التوقف لاستبدال الإطارات. وبينما كان الجنود يثبون للحاق بالإطار الاحتياطي الذي تدحرج مبتعدًا بعد أن قاموا باستخراجه من مكمنه أسفل المركبة، صاح بهم قائدهم؛ "أيها البلهاء، تجمدوا في مواقعكم ولا يحرك أي منكم ساكنا، لقد دخلتم نطاق حقلٍ للألغام".

بعد ساعات طويلة مكث فيها الجنود البؤساء المغلوبون علي أمرهم متجمدين في مواقعهم، لم تأتهم النجدة، ولكن أتاهم صوت عبد الوهاب يصدح "أيها الراقدون تحت التراب". أخذتهم الظنون وتلاعبت بهم الأخيلة بينما الصوت يقترب ويتضح أكثر فأكثر حتي تبدي لهم أعرابيٌّ يمتطي حماره ويحمل بين يديه مذياعا. وبعد تبادل نظرات الاستنكار سألهم الأعرابي "فيم وقوفكم هنا؟" فخرج الجنود عن صمتهم المسربل بالدهشة وجاوبوا سؤاله بسؤال "كيف تأمن علي نفسك وأنت تخوض حقل ألغام؟" فابتسم ابتسامة الخبير العالم ببواطن الأمور وخفاياها ثم قال "هذي الأرض أرضي، وقد وضعت تلك اللافتة الزائفة لدفع المتطفلين عنها" اتسعت ابتسامته أكثر واستطرد بلهجة بدوية "ما في ألغام".

لسنوات طويلة انحصرت معرفتي بأحداث الفتنة الكبري التي شهدها المسلمون في القرن الأول الهجري، في أن الفتنة بدأت بمقتل عثمان بن عفان وانتهت بمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب. وأدركت بعد أن تجاوزت سني عمري ربع القرن أن التصور الشائع عن هذا الموضوع الشائك، بمثابة حقلٍ للألغام يغشاه الهلاك من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله، ومن ثم ينبغي توخي الحذر الشديد من الخوض فيه أو حتي الاقتراب من نطاقه. وعليه فلن تجد أي إشارة من قريب أو بعيد إلي الفتنة وأحداثها في المناهج التعليمية طوال إحدي عشر عاما من التعليم الأساسي أو فيما قد يتبعها من التعليم الجامعي، ولن تسمع عنها في خطبة عصماء، أو غير عصماء، في يوم من أيام الجمعة، ولن يثار الحديث عنها بمجلس ذِكْر أو مجلس سَمَر. ومن ثم ستبقي كل معرفتك بأحداث الفتنة مقرونة بتلك القوالب الجاهزة المعلبة التي أفرزتها ثقافتنا السمعية والتي تتلخص في أن الفئة الباغية قتلت عثمان وعليّا وابنيه، وأننا –ولله الحمد- من الفئة الناجية، وأن "الشيعة" قومٌ مارقون، يؤلّهون عليّا، أو علي أقل تقدير يدّعون له النبوة، ويسبون أصحاب النبي، ويحيون ذكري عاشوراء بالاقتصاص من أنفسهم بأن يضرب بعضهم بعضا بالسياط والجنازير.

وبعد قرار تأخر كثيرا، استعرت من أحد أصدقائي كتاب "الفتنة الكبري" للدكتور طه حسين، والذي يستعرض فيه أحداث الفتنة لا من وجهة نظر دينية، ولا تاريخية، ولكن من وجهة نظر سياسية، يناقش من خلاله النظام السياسي الذي أقامته الدولة الإسلامية في صدر الإسلام وأثناء خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، وما طرأ علي هذا النظام من تغير وتبدل أحدثته الفتنة بعد ذلك. وعلي الرغم مما قد يشوب هذا الكتاب من نقص، وإن كان لا يعيبه لكن تقتضي الحاجة استكماله بغيره من المصادر، إلا أنني توصلت إلي قناعة بأن أحداث الفتنة كانت ابتلاءً من الله، ليس للسابقين الأولين من المسلمين ممن حضر أحداث الفتنة وحسب، ولكن للأمة الإسلامية جمعاء. ويبقي الثابت فيها أن رسول الله قد حذر منها، ودعا المسلمين إلي اعتزالها، وأورد فيها من الأحاديث ما يبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن ذلك قوله لعليّ بن أبي طالب أن قاتله هو أشقي الناس يوم القيامة، وقوله لعمار بن ياسر "ويحك يا ابن سمية، تقتلك الفئة الباغية" وغيرها من الأحاديث.

غير أن أهم ما انتهيت إليه هو أن الصحابة والتابعين، مهما بلغت منزلتهم من رسول الله وقرابتهم له، ومهما كانت سابقتهم في الإسلام وفضلهم فيه، كانوا بشرا، يجري عليهم ما يجري علي كل بني أدم، يجتهدون فيخطئون ويصيبون، وليس علينا من إثم في الوقوف علي ما وصلنا من سيرتهم وأخبارهم، ما اختلف فيه المؤرخون وما اتفقوا، نقتفي أثر حديث رسول الله عن الفتنة، وننتهي عما نهانا عنه من العصبية والتشيع والفرقة، ونترك الحكم في الأخير لله. ولست أري في كل ذلك ما يدعو إلي تلك الرهبة الشديدة المقترنة بأحداث الفتنة وكل ما يتعلق بها، ولا تلك الهالة الزائفة التي تحيط باللفظة المجردة "الفتنة" والتي لا تختلف في زيفها عن لافتة الأعرابيّ، وما أرانا بجمودنا وركود فكرنا أقل بؤسا من الجنود في موقفهم من حقلٍ زائفٍ للألغام، ولكن من أين لنا بمثل هذا الأعرابيّ ليصيح بنا "أيها الراقدون تحت تراب الجهل والتغييب .. ما في ألغام".
-----------------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Monday, February 17, 2014

الحرب في بر مصر



رواية "الحرب في بر مصر" للكاتب يوسف القعيد هي رواية شهيرة، وتقع في مرتبة متقدمة في تصنيف جريدة أخبار الأدب المصرية لأفضل 100 رواية في القرن العشرين، ولكني بعد قرائتها لم أجد فيها سوي حبكة لا أري للكاتب أي فضل فيها، ولا أستبعد أن تكون حبكة قصة حقيقية حدثت بالفعل. ولا أراني مبالغا حين أقول أن تلك الرواية استمدت كامل شهرتها من تحولها إلي فيلم سينمائي بعنوان "المواطن مصري" قام بأداء أدوار البطولة فيه كل من عمر الشريف وعزت العلايلي.

لا أدّعي علما بقواعد النقد الأدبي، ولكني كقارئ نَهِم للأدب أستطيع الوقوف علي عدة معايير موضوعية لتقييم العمل الأدبي، أولها وأهمها لغة الكاتب. فكما أن الصلاة هي أول ما يُحاسب عليه المرء يوم القيامة، اللغة هي أول ما يحاسب عليه الكاتب عند القراءة، ولغة الكاتب في هذه الرواية آية في الركاكة والسطحية، تمتزج عاميتها بفصحاها في خلط فج لا يربطه رابط، ولا تستطيع أن تتبين دلالة التعبير بالفصحى هنا، أو التعبير بالعامية هناك، أو التعبير بلغة ركيكة لا هي عامية ولا هي فصحى في كثير من الأحيان.

أما إذا جئنا إلي القالب السردي، فسنجد أن الكاتب اعتمد علي قالب محدد من بداية الرواية، إن جاز لي أن أسمّيه "القالب السردي متعدد الألسنة"، حيث يقوم الكاتب بتقسيم فصول الرواية بين شخصياتها، ويقوم بالسرد علي لسان كل شخصية في الفصل الخاص بها، غير أن الكاتب لم يلتزم بهذا القالب السردي، فكان الكلام يسري علي لسان الراوي تارة وعلي لسان الشخصية تارةأخري في عشوائية لا دلالة لها، حتي أن القارئ يختلط عليه الأمر في بعض الأحيان ولا يدري ما إذا كان المتكلم هو الراوي أم الشخصية.

إذا انتقلت إلي بداية الصفحة وقمت بالضغط علي الرابط المتشعب الذي يحمل اسم الكاتب "يوسف القعيد" سيحملك هذا الرابط إلي الصفحة الخاصة بالكاتب علي موقع "جودريدز" وستقرأ ضمن ما كُتب في تعريف الكاتب أن "حازت روايته الحرب في بر مصر على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية." وهو ما يدفعني للتساؤل، إن كان الكاتب حقا يملك ناصية فن الرواية بما يدفع بأحد أعماله إلي رأس القائمة الخاصة بأفضل 100 رواية في قرن كامل، أليس من الغريب ألا تحظي أي من أعماله الأخري بأية شهرةٍ تُذكر؟!
--------------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Tuesday, February 4, 2014

باسم يوسف



باسم يوسف أيام محمد محمود الأولي عمل حلقة من ميدان التحرير بكي فيها وبكانا كلنا،، كانت أول مرة نشوفه بيتكلم جد قوي وهو نفسه اعتذر في أول الحلقة وقال الحلقة دي هتبقي كئيبة وكان لابس تي شيرت اسود ودقنه طويلة،، كانت حلقة صعبة جدا،، هو اتكلم فيها بكل صراحة وقال ان المجلس العسكري المسئول الأول والأخير عن المهزلة اللي حصلت.
.......
......
.....
...
..
.
.
من كام يوم ‫#‏باسم_يوسف‬ كان في برنامج مع عمرو الليثي، لما سأله "موافق علي ترشح السيسي للرئاسة ولا لأ؟" باسم جاوبه من غير ما الابتسامة تفارقه، وفضل يلف ويدور ويقول كلام كتير ملخصه انه مش موافق، وان السيسي أحسن له ولنا انه يفضل وزير دفاع، وان زي ما بنقول ان الدين بقدسيته ماينفعش يتدخل في السياسة، الجيش كمان كمؤسسة وظنية لازم يفضل بعيد عن 
 السياسة.
..........
........
......
....
..
.
ده معناه حاجة من اتنين،، يا إما المجلس العسكري مش مسئول عن الناس اللي ماتوا في محمد محمود،، يا إما السيسي مسئول عن الناس اللي بيتقتلوا كل يوم،، بس في الحالتين باسم يوسف ملوش غير توصيف واحد من 3 حروف بيبدأ بحرف العين
.
-----------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Wednesday, January 15, 2014

نهر يناير



"كان ابني في العاشرة من عمره حين سألني؛ لماذا يندرج فعل "القتل" تحت مهام وظيفتي كشرطي. ابني رفائيل الذي يرقد الآن بالمشفي بعد أن أصيب بطلق ناري، لم أدر حينها بماذا أجيبه. وأنا الآن، وبعد إحدي وعشرين عاما من الخدمة في الشرطة العسكرية، لا أدري لماذا قَتلت، ولا باسم من قَتلت. ولكنني –سيدي النائب- لا يخامرني أيُّ شكٍ في أن الشرطي حين يقتل ليس هو من يسحب الزناد. كما أنني علي يقينٍ بأن أكثر من نصف زملائك بهذا المجلس الموقر مكانهم الحقيقي هو السجن."
بهذه الكلمات بدأ روبرتو ناسمينتو، الضابط بقوات الشرطة العسكرية البرازيلية، شهادته أمام جلسة الاستماع بالبرلمان، في واحدة من أكبر قضايا الفساد بولاية ريو دي جانيرو. الفيلم البرازيلي "Tropa de Elite" أو "النخبة" في جزئه الثاني بعنوان "العدو من الداخل" من انتاج عام 2010.

تبدأ الأحداث قبيل انتخابات التجديد بولاية ريو دي جانيرو. سعيا منه لرفع أسهمه لدي العامة، يقوم محافظ الولاية بالتنسيق مع عدد من قيادات الشرطة العسكرية الفاسدين بتنفيذ عملية مسرحية يتم خلالها الهجوم علي أحد مراكز الشرطة والاستيلاء علي الأسحلة الموجودة بها، ثم الاستعانة بوسائل الإعلام للترويج لهذه العملية علي أنها شكل من أشكال الإرهاب الذي يمارسه تجار المخدرات.

"ما الذي يحدث بمدينة ريو دي جانيرو؟ ما الذي يحدث بتلك المدينة الجميلة؟ مجموعة من الحثالة يقومون بالهجوم علي أحد مراكز الشرطة لسرقة الأسحلة، لسرقة الأسلحة الموجودة بمركز الشرطة" يصمت برهة ليعود ويقول في انفعال مفتعل "هذه ليست عملية سرقة يا سادة، بل هي عملية إرهابية.. عملية إرهابية. لا تحدثني عن حقوق الإنسان، فالإرهابي ليس بإنسان.. سيدي المحافظ إذا أخذك التسامح مع تلك الحثالة فعليك بتوديع منصبك، لأن هذه الحثالة ستقوم بإعمال هذا السلاح في مواجهة إدارتك، تلك الإدارة التي قامت بتطهير هذه المدينة من تجارة المخدرات. سيدي المحافظ، لا تأخذك بهم شفقة ولا رحمة"

تخرج هذه الكلمات في أداء مسرحي غاية في الركاكة والافتعال من أحد مقدمي البرامج التلفزيونية، الذي يذكرك أداؤه بالكثيرين في بلادنا ممن يقال لهم "إعلاميين"، من هم علي شاكلة توفيق عكاشة وأحمد موسي وخيري رمضان وغيرهم، مطالبا محافظ ولاية ريو دي جانيرو بالرد علي تلك العملية "الإرهابية" وملاحقة تجار المخدرات.

واستكمالا لأخر فصول تلك المسرحية، تقوم قوات الشرطة العسكرية بمداهمة المقاطعة الشمالية بالولاية، المعروفة بإيوائها لأغلب تجار المخدرات، وإعمال القتل بشوارعها بحثا عن الأسحلة المسروقة، تلك العملية المسرحية التي يصفها ناسمينتو فيما بعد بالعملية "العراقية" نسبة إلي الحرب الأمريكية علي العراق قبل عشر سنوات بحثا عن أسحلةٍ للدمار الشامل. وكما في الفصول الأولي من المسرحية، كان لوسائل الإعلام دورها في هذا الفصل الأخير بالترويج لتلك العملية، والثناء علي المحافظ وسعيه الدءوب لتطهير ولاية ريو دي جانيرو من تجار المخدرات "الإرهابيون".

بعد محاولة فاشلة لقتله، يواصل ناسمينتو مواجهته للنظام، أو "الأعداء" علي حد وصفه. يتقدم إلي البرلمان بما توفر لديه من أدلة تدين العديد من رموزه، ولكن النظام يقاوم، يدفع بالبعض إلي السجون لاحتواء الرأي العام، فالنظام دائما علي استعداد للتضحية ببعض الأصابع لإنقاذ الذراع، ولديه من المرونة ما يمكّنه من الاستفادة حتي من أحلك الظروف، ومن ثم تجري الانتخابات في أجواء تبدو للعامة كشكل من أشكال التطهير الذاتي للنظام، وهو ما يسفر عن تجديد ولاية المحافظ لأربع سنوات أُخَر.

يقول المفكر والمؤرخ الأمريكي نعوم تشومسكي "في مجتمعٍ حيث يُسمع صوت الشعب، علي مجموعات النخبة ضمان أن يقول ذلك الصوت الأشياء الصحيحة. وبقدر ما تنحسر قدرة الدولة علي استعمال العنف في الدفاع عن مصالح مجموعات النخبة التي تهيمن عليها (الدولة)، بقدر ما تزداد الضرورة لابتداع آليات (هندسة الموافقة)"


عزيزي القارئ، هذا المقال لا يدعوك إلي المقاربة بين الوضع في مصر وبين أحداثٍ خيالية في فيلم ما يحكي عن بلاد بعيدة. فلتترفق بكاتب هذه السطور، ولا تظن به التحاذق عندما يطالعك العنوان "نهر يناير"، فما هو إلا الترجمة العربية للكلمة البرتغالية "ريو دي جانيرو"، ولا تسمح لذلك الاقتباس المنمق من إحدي الكتب الفلسفية سميكة الكعب، أن يفسد عليك بهجة العرس الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام، فهذا المقال ما هو إلا محاولة للخروج علي متلازمة (الفيلم الأجنبي = الفيلم الأمريكي)
--------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Saturday, October 5, 2013

بنك الحظ.. أو "الرأسمالية للمبتدئين"



وانا صغير كنت بستني الأجازة بفارغ الصبر علشان أسافر الشرقية عند ولاد خالي وأقضيها معاهم. الكلام ده كان في بدايات التسعينات، أيام ما كان الأتاري الفاملي انطلاقة غير مسبوقة في عالم الفيديو جيم، وكنا بنلعب كمان لعبة الجيل "بنك الحظ" ماكناش نعرف ساعتها ان اللي هيبقوا في سننا بعد أقل من عشرين سنة هيلعبوا "أنجري بيرد" علي الآي باد،، أرزاق وبيقسمها الخلاق.. المهم، في سنة من السنين أحمد ابن خالي أضاف ابتكار عبقري علي لعبة بنك الحظ غير من شكل اللعبة تماما ، الابتكار ده كنا بنسميه "البورصة".

فكرة بنك الحظ الأساسية في التباين ما بين البلاد المختلفة، في بلاد معينة رسوم الوقوف فيها عالي جدا زي القاهرة واسكندرية والقدس وغيرها، وخصوصا بقي لو انت عندك منشئات فيها زي جراج ولا سوق ولا أي حاجة من المكعبات البلاستيك العبيطة دي، وبناء عليه لو حظك كان حلو وقدرت تسبق وتشتري البلاد المميزة دي هتبقي عندك فرصة أكبر في الثراء بشكل سريع علي حساب باقي اللاعبين.

فكرة "أحمد" بقي نسفت الكلام ده، الفكرة ببساطة إن أحمد عمل صكوك لعدد من السلع، علي ما أّذكر كانت (قمح وقطن وبترول وسيارات وأسلحة) كل سلعة من دول ليها صك واحد بس ممكن تشتريه من البنك، وكل سلعة من دول ليها سعر مختلف علي حسب كل بلد، والفكرة انك لما تقف في بلد سعر السلعة دي فيها رخيص ممكن تشتريها ولما تقف في بلد تانية سعر السلعة فيها غالي تبيعها وتكسب الفرق، الجميل بقي ان أحمد عمل توازن ما بين فكرة "بنك الحظ" الأصلية في التباين ما بين البلاد، يعني خلي السلع دي أسعارها رخيصة في البلاد اللي كان البنك مميزها في رسوم الوقوف، وأسعارها غالية في البلاد اللي كانت فقيرة وماحدش بيشتريها لأن رسومها قليلة.
فكرة أحمد كانت ذكية جدا ومتكاملة جدا لدرجة انه حتي فكر في انه يفرض ضرايب علي عملية البيع والشراء، بمعني انك لو وقفت مثلا في بلد مش بتاعتك وعاوز تشتري أو تبيع سلعة معينة كان لازم تدفع لصاحب البلد دي غير رسوم الوقوف ضريبة علي عملية البيع والشرا اللي انت عملتها.

المهم لما بدأنا ننفذ فكرة أحمد واجهتنا أول مشكلة، وهي إن معدلات التداول زادت بشكل كبير قوي، وفكرة الإثراء بقيت أسرع وأسهل للاعبين علي حساب البنك نفسه، فبعد شوية الفلوس الموجودة في البنك خلصت وبقيت كلها مع اللاعبين، فعملنا تعديل علي فكرة الضريبة علشان يستفيد منها البنك وهي ان المستثمر يدفع ضريبة مزدوجة جزء منها لصاحب البلد اللي بيشتري أو يبيع فيها والجزء التاني للبنك، وعلشان نحل مشكلة نقص السيولة اشترينا لعبة "بنك الحظ" جديدة خدنا منها الفلوس علشان نزود السيولة في البنك بتاعنا القديم، وكملنا لعب.

الهدف من فكرة البورصة العبقرية اللي ابتكرها أحمد هي انه يعمل امتداد للعبة علشان اللعبة ما تخلصش لما حد يشتري البلاد المميزة وخلاص، فمن خلال البورصة بقي عندنا مجال جديد للتنافس غير تملك البلاد المميزة، بس بعد شوية اكتشفنا مشكلة جديدة رجعتنا تاني لأزمة البلاد المميزة، وهي إن أحمد خلي مستويات أسعار السلع دي متفاوتة، فأكيد تجارة القمح ولا القطن مش هتكون زي تجارة السيارات ولا السلاح، يعني مثلا كان ممكن تشتري أقل صك للقمح بـ300 جنيه وتبيع أغلي صك بـ1200 جنيه، لكن الأسلحة كان أقل صك بـ1500 جنيه وأعلي صك بـ6000 جنيه، فبقت النتيجة الطبيعية لكده ان أصحاب البلاد المميزة اللي كانوا بيقدروا يجمعوا ثروة أكبر من رسوم الوقوف في بلادهم هما بس اللي  كانوا بيقدروا يضاربوا في البورصة في السلع العالية، وباقي اللاعبين كانوا بيضاربوا علي قدهم في القمح والقطن، فطبعا أصحاب البلاد المميزة كانوا بيزدادوا ثراء وبسرعة جدا، وباقي اللاعبين وحتي لو ماكانوش بيفلسوا بسرعة زي زمان، فضلت ثروتهم في مستوي محدود، وكانت الطريقة الوحيدة قدام الأثرياء للفوز هي إنهم يشتروا صكوك السلع الدنيا زي القمح والقطن ويسقعوها يعني يحتفظوا بيها ما يبيعوهاش علشان باقي اللاعبين مايلاقوش حاجة يضاربوا فيها في البورصة وفي نفس الوقت يستمروا في دفع رسوم الوقوف لأصحاب البلاد المميزة لحد ما يعلنوا إفلاسهم.

بعد تفكير طويل في المشكلة دي توصلنا لحل، وهو إننا نفرض قانونين مهمين لمنع احتكار أصحاب البلاد المميزة للسلع، الأول هو إن كل حاملي الصكوك لازم يبيعوها في خلال دورة واحدة بس، يعني اللي يشتري صك سلعة معينة لازم يبيعها أول ما يوصل لنقطة البداية بعد دورة كاملة، والتاني هو إن كل لاعب مسموح له يشتري صك واحد بس لا غير، وبكده نضمن ان محدش هيحتكر أي سلعة، وان اللاعبين هيفضلوا يبيعوا ويشتروا من غير أصحاب البلاد المميزة ما يتحكموا فيهم. الحكاية الطويلة العريضة دي مجرد نموذج مصغر للخناقة الأبدية ما بين الرأسمالية وغيرها من الأيديولوجيات المختلفة علي مدار القرنين اللي فاتوا، وخلينا نبتدي في الكلام اللي البعض شايفينه ممل بس هو ضروري جدا.

الحكاية بكل بساطة إن عالم الإقتصاد الانجليزي أدم سميث واللي بيسموه أبو الرأسمالية، أو أبو الاقتصاد لأنه تقريبا أول عالم اقتصاد بالمفهوم الحديث، الراجل ده قال يا إخوانا سيبوا الناس تشتغل، دعونا نعمل في صمت، خلوا كل واحد يجتهد ويزرع ولا يصنع ويقدم المنتج بتاعه للسوق، والسوق هو اللي يقدره، وفكرة المنافسة في السوق دي هي اللي هتدفع الناس للعمل، وان اللي هيشتغل هيعرف يعيش واللي هيكسل وينام في البيت يلبس بقي. بس أهم حاجة نسيب الناس تشتغل من غير قيود والسوق هو اللي هيمشي نفسه من غير ما حد يتدخل.. وفي المقابل كان في واحد تاني اسمه كارل ماركس، كان بيقول ان ده كلام فارغ وهري في هري، وان أصحاب رأس المال هيتحكموا في السوق وبناء عليه هيتحكموا في الناس، وهيبقي في ناس بتشتغل وتتعب وناس تانية خالص هي اللي بتكسب، وان لازم الدولة هي اللي تتحكم في كل أدوات الانتاج وهي اللي تبيع وهي اللي تشتري وتوزع علي الناس بعد كده بالتساوي، بس أدم سميث قالك مفيش الكلام ده، السوق هيقدر يعالج المشاكل اللي من النوعية دي علي المدي الطويل من خلال حاجة اسمها "اليد الخفية" اللي هي فكرة العرض والطلب.

المهم ما بين المدرستين المتطرفين دول، كان في مدارس تانية معتدلة في النص، من ده علي ده يعني، وفضلت الخناقة لحد الأزمة المالية اللي حصلت في تلاتينات القرن العشرين اللي بيسموها "الكساد الكبير" والناس بتوع أدم سميث فضلوا مستنين إن السوق يعالج مشاكله بنفسه زي ما قال، وفضلوا مستنين الإيد الخفية اللي قالهم عاليها، بس كل مدي ما الأوضاع كانت بتبقي أسوأ، فطلع واحد قالك "ياعم ده كلام فارغ والمدي الطويل اللي كان بيقول عليه "سميث" ده علي ما هيجي هنكون احنا موتنا وشبعنا موت"، الراجل ده كان شغال موظف في وزارة الخزانة البريطانية كان اسمه جون ماينارد كينز، وطلع نظرية سموها "الكينزية" النظرية دي ملخصها إن الدولة مش شرط تمتلك كل أدوات الانتاج وتتحكم في كل حاجة، هنسيب الناس تبيع وتشتري وتنتج عادي، بس الدولة هيكون ليها "اليد العليا" علشان تمنع الاحتكار وتحافظ علي توازن توزيع الدخول والثروات {فاكرين أخر تعديل عملناه علي لعبة البورصة علشان ماحدش يحتكر كل السلع}

المهم الناس نفضت له، واستمر الوضع من غير تحسن لحد ما قامت الحرب العالمية التانية وكل الدول خرجت منهكة اقتصاديا من تداعيات الكساد الكبير ومن تكاليف الحرب، فبدأوا يجربوا نظرية كينز، وفعلا في خلال العشرين سنة اللي بعد الحرب كل الدول حتي اللي كانت مهزومة في الحرب وعلي رأسها ألمانيا بدأت تستعيد عافيتها الاقتصادية، لحد ما جت السبعينات، أقذر فترة في تاريخ العالم الحديث، وبدأ العالم يتجه مرة تانية للرأسمالية الصرفة بتاعة سميث ويطبقها بشكل أعنف، وعلي نص التمانينات كده كان العالم كله تقريبا تحول للرأسمالية وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أول التسعينات وتزعم أمريكا للعالم بلا شريك. وفي خلال أقل من تلاتين سنة حصلت الأزمة المالية العالمية في 2008 اللي مازال العالم بيعاني منها لحد دلوقتي، ورجع تاني الكلام عن أفكار كينز لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لما أحمد ابن خالي فكر في ابتكار البورصة اللي أضافه للعبة بنك الحظ كان كل الهدف اننا نلعب فترة أطول، لأن في الغالب كان في ناس بتفلس بسرعة قوي وتخرج من اللعبة بدري لأن الحظ ما أسعفهمش وماقدروش يشتروا أي بلد من البلاد المميزة، فأحمد خلق للناس اللي حظهم وحش فرصة موازية علشان يقدروا يجاروا أصحاب البلاد المميزة وتبقي في بينهم منافسة تخلي اللعبة أطول وبالتالي كلنا ننبسط، وده تقريبا اللي كان بيفكر فيه أدم سميث أبو الرأسمالية، كان بيفكر في مصلحة العالم كله، إن الناس كلها تبقي مبسوطة، لكن ما فكرش أبدا في النتائج الكارثية اللي ممكن تحصل بسبب جشع أصحاب البلاد المميزة،، قصدي أصحاب رأس المال، النتائج الكارثية دي هي اللي عانت منها البشرية في أزمة الكساد الكبير في التلاتينات، والأزمة العالمية في 2008، الجميل بقي ان علي الرغم من إن أصحاب رأس المال هما اللي اتسببوا في الكوارث دي لكن اللي بيدفع التمن هما الفقرا.

في دراسة عملها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في 2008 بتقول {إن حاصل جمع الثروة التي يمتلكها 1125 ملياردير في العالم قد بلغت أربعة آلاف وأربعمائة مليار دولار أمريكي، وتأسيسا علي هذه القيمة يمكن القول إن 1125 من أغني الأغنياء في العالم يمتلكون ثروة تساوي – علي وجه التقريب- مجمل الدخول التي يحصل عليها في عام واحد نحو ثلاثة مليارات مواطن، أي التي يحصل عليها مجمل سكان الهند وباكستان وبنغلاديش وتايلاند وماليزيا وفيتنام والفلبين والقارة الإفريقية برمتها}

الفكرة إن عدد البلاد المميزة في بنك الحظ ثابت ودي اللي بتمثل عوامل الانتاج الرئيسية، يعني اللي هيحط إيده علي البلاد المميزة دي هو اللي هيضمن دخل ثابت ومحترم. وفي نفس الوقت عدد الورق الموجود في البنك هو كمان ثابت يعني أقصي ثروة ممكن يوصلها اللاعب مهما بلغت مش هتتخطي عدد الورق الموجود في اللعبة، أدم سميث كان بيقول كل واحد وحظه وكل اللاعبين يشتغلوا ويتسابقوا علشان يلحقوا يشتروا البلاد المميزة زي القاهرة واسكندرية ويبنوا المنشئات ويطلعوا فلوس يضاربوا بيها في البورصة، والبنك ما يتدخلش ولا يقول لحد امتي يشتري وامتي يبيع. وكارل ماركس كان بيقول البنك هواللي يتحكم في كل حاجة، هو اللي يشتري كل البلاد وكل السلع ويوزع الفلوس بالتساوي علي اللاعبين. وكينز كان بيقول خلوا الناس تجتهد وتتسابق وتبيع وتشتري، بس لازم البنك يبقي فايق لهم وما يخليش حد يحتكر السوق علشان باقي اللاعبين ما يفلسوش... بذمتكم بقي مش لو كان الآي باد طلع علي أيامنا كان زمانكم اترحمتوا من التدوينة الطويلة قوي دي؟؟
-----------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Saturday, June 29, 2013

مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (سورة غافر 23-24)

لما ربنا أرسل سيدنا موسي عليه السلام لفرعون وقومه، فرعون قال للناس ده ساحر جاي يخرجكم من بلدكم ويبدل دينكم وينشر الفساد في الأرض.

{قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ.} (سورة غافر 26)

فخرج رجل مؤمن من قوم فرعون وكلمهم بالعقل،، قالهم لو موسي كذاب "فعليه كذبه" إنما لو كان صادق فده معناه ان هيصيبكم العذاب اللي ربنا توعدكم بيه علي لسانه، وانتو ممكن تكونوا أهل قوة وسلطة دلوقتي لكن مين اللي هينصركم من ربنا لو جالكم عذابه؟

{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} (سورة غافر 28-29)

وفي المقابل فرعون قال لقومه انا عارف موسي ده كويس،، واسمعوا كلامي انا اللي شايف الصح.

{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (سورة غافر 29)
وفي الأخر الناس سمعوا كلام فرعون ونفضوا للراجل المؤمن، فربنا وقاه من العذاب وحكم علي فرعون وقومه انهم يتعرضوا علي النار ليل ونهار لحد يوم القيامة.

{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (سورة غافر 45-46)

فرعون قال لقومه "ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" وكانت النتيجة انهم في النار، لم يغن عنهم ضعفهم أو جهلهم، ولم يغن عنهم فرعون وحاشيته، وكلهم مصيرهم بقي النار.

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} (سورة غافر 47-48)

سورة غافر فيها عبرة لمن يعتبر، ياللي انت ماشي ورا فرعونك ومش شايف غير اللي هو شايفه،، فرعون مش هيغني عنك حاجة قدام ربنا، مش هيغني عنك ضعفك أو جهلك،، مش هيغني عنك ترتيبك في الجماعة اللي بيفرض عليك الطاعة، مش هيغنك عنك شيوخك اللي انت "لهم تبعا"، اقرأ سورة غافر وفكر ألف مرة قبل ما تنزل بكرة وانت فاكر انك بتجاهد في سبيل الله،، وافتكر ان قوم فرعون كانوا فاهمين انهم بيجاهدوا في سبيل الرشاد.


{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (سورة غافر 44)

----------------
مدونة سقراط | محمد عوض