Saturday, October 5, 2013

بنك الحظ.. أو "الرأسمالية للمبتدئين"



وانا صغير كنت بستني الأجازة بفارغ الصبر علشان أسافر الشرقية عند ولاد خالي وأقضيها معاهم. الكلام ده كان في بدايات التسعينات، أيام ما كان الأتاري الفاملي انطلاقة غير مسبوقة في عالم الفيديو جيم، وكنا بنلعب كمان لعبة الجيل "بنك الحظ" ماكناش نعرف ساعتها ان اللي هيبقوا في سننا بعد أقل من عشرين سنة هيلعبوا "أنجري بيرد" علي الآي باد،، أرزاق وبيقسمها الخلاق.. المهم، في سنة من السنين أحمد ابن خالي أضاف ابتكار عبقري علي لعبة بنك الحظ غير من شكل اللعبة تماما ، الابتكار ده كنا بنسميه "البورصة".

فكرة بنك الحظ الأساسية في التباين ما بين البلاد المختلفة، في بلاد معينة رسوم الوقوف فيها عالي جدا زي القاهرة واسكندرية والقدس وغيرها، وخصوصا بقي لو انت عندك منشئات فيها زي جراج ولا سوق ولا أي حاجة من المكعبات البلاستيك العبيطة دي، وبناء عليه لو حظك كان حلو وقدرت تسبق وتشتري البلاد المميزة دي هتبقي عندك فرصة أكبر في الثراء بشكل سريع علي حساب باقي اللاعبين.

فكرة "أحمد" بقي نسفت الكلام ده، الفكرة ببساطة إن أحمد عمل صكوك لعدد من السلع، علي ما أّذكر كانت (قمح وقطن وبترول وسيارات وأسلحة) كل سلعة من دول ليها صك واحد بس ممكن تشتريه من البنك، وكل سلعة من دول ليها سعر مختلف علي حسب كل بلد، والفكرة انك لما تقف في بلد سعر السلعة دي فيها رخيص ممكن تشتريها ولما تقف في بلد تانية سعر السلعة فيها غالي تبيعها وتكسب الفرق، الجميل بقي ان أحمد عمل توازن ما بين فكرة "بنك الحظ" الأصلية في التباين ما بين البلاد، يعني خلي السلع دي أسعارها رخيصة في البلاد اللي كان البنك مميزها في رسوم الوقوف، وأسعارها غالية في البلاد اللي كانت فقيرة وماحدش بيشتريها لأن رسومها قليلة.
فكرة أحمد كانت ذكية جدا ومتكاملة جدا لدرجة انه حتي فكر في انه يفرض ضرايب علي عملية البيع والشراء، بمعني انك لو وقفت مثلا في بلد مش بتاعتك وعاوز تشتري أو تبيع سلعة معينة كان لازم تدفع لصاحب البلد دي غير رسوم الوقوف ضريبة علي عملية البيع والشرا اللي انت عملتها.

المهم لما بدأنا ننفذ فكرة أحمد واجهتنا أول مشكلة، وهي إن معدلات التداول زادت بشكل كبير قوي، وفكرة الإثراء بقيت أسرع وأسهل للاعبين علي حساب البنك نفسه، فبعد شوية الفلوس الموجودة في البنك خلصت وبقيت كلها مع اللاعبين، فعملنا تعديل علي فكرة الضريبة علشان يستفيد منها البنك وهي ان المستثمر يدفع ضريبة مزدوجة جزء منها لصاحب البلد اللي بيشتري أو يبيع فيها والجزء التاني للبنك، وعلشان نحل مشكلة نقص السيولة اشترينا لعبة "بنك الحظ" جديدة خدنا منها الفلوس علشان نزود السيولة في البنك بتاعنا القديم، وكملنا لعب.

الهدف من فكرة البورصة العبقرية اللي ابتكرها أحمد هي انه يعمل امتداد للعبة علشان اللعبة ما تخلصش لما حد يشتري البلاد المميزة وخلاص، فمن خلال البورصة بقي عندنا مجال جديد للتنافس غير تملك البلاد المميزة، بس بعد شوية اكتشفنا مشكلة جديدة رجعتنا تاني لأزمة البلاد المميزة، وهي إن أحمد خلي مستويات أسعار السلع دي متفاوتة، فأكيد تجارة القمح ولا القطن مش هتكون زي تجارة السيارات ولا السلاح، يعني مثلا كان ممكن تشتري أقل صك للقمح بـ300 جنيه وتبيع أغلي صك بـ1200 جنيه، لكن الأسلحة كان أقل صك بـ1500 جنيه وأعلي صك بـ6000 جنيه، فبقت النتيجة الطبيعية لكده ان أصحاب البلاد المميزة اللي كانوا بيقدروا يجمعوا ثروة أكبر من رسوم الوقوف في بلادهم هما بس اللي  كانوا بيقدروا يضاربوا في البورصة في السلع العالية، وباقي اللاعبين كانوا بيضاربوا علي قدهم في القمح والقطن، فطبعا أصحاب البلاد المميزة كانوا بيزدادوا ثراء وبسرعة جدا، وباقي اللاعبين وحتي لو ماكانوش بيفلسوا بسرعة زي زمان، فضلت ثروتهم في مستوي محدود، وكانت الطريقة الوحيدة قدام الأثرياء للفوز هي إنهم يشتروا صكوك السلع الدنيا زي القمح والقطن ويسقعوها يعني يحتفظوا بيها ما يبيعوهاش علشان باقي اللاعبين مايلاقوش حاجة يضاربوا فيها في البورصة وفي نفس الوقت يستمروا في دفع رسوم الوقوف لأصحاب البلاد المميزة لحد ما يعلنوا إفلاسهم.

بعد تفكير طويل في المشكلة دي توصلنا لحل، وهو إننا نفرض قانونين مهمين لمنع احتكار أصحاب البلاد المميزة للسلع، الأول هو إن كل حاملي الصكوك لازم يبيعوها في خلال دورة واحدة بس، يعني اللي يشتري صك سلعة معينة لازم يبيعها أول ما يوصل لنقطة البداية بعد دورة كاملة، والتاني هو إن كل لاعب مسموح له يشتري صك واحد بس لا غير، وبكده نضمن ان محدش هيحتكر أي سلعة، وان اللاعبين هيفضلوا يبيعوا ويشتروا من غير أصحاب البلاد المميزة ما يتحكموا فيهم. الحكاية الطويلة العريضة دي مجرد نموذج مصغر للخناقة الأبدية ما بين الرأسمالية وغيرها من الأيديولوجيات المختلفة علي مدار القرنين اللي فاتوا، وخلينا نبتدي في الكلام اللي البعض شايفينه ممل بس هو ضروري جدا.

الحكاية بكل بساطة إن عالم الإقتصاد الانجليزي أدم سميث واللي بيسموه أبو الرأسمالية، أو أبو الاقتصاد لأنه تقريبا أول عالم اقتصاد بالمفهوم الحديث، الراجل ده قال يا إخوانا سيبوا الناس تشتغل، دعونا نعمل في صمت، خلوا كل واحد يجتهد ويزرع ولا يصنع ويقدم المنتج بتاعه للسوق، والسوق هو اللي يقدره، وفكرة المنافسة في السوق دي هي اللي هتدفع الناس للعمل، وان اللي هيشتغل هيعرف يعيش واللي هيكسل وينام في البيت يلبس بقي. بس أهم حاجة نسيب الناس تشتغل من غير قيود والسوق هو اللي هيمشي نفسه من غير ما حد يتدخل.. وفي المقابل كان في واحد تاني اسمه كارل ماركس، كان بيقول ان ده كلام فارغ وهري في هري، وان أصحاب رأس المال هيتحكموا في السوق وبناء عليه هيتحكموا في الناس، وهيبقي في ناس بتشتغل وتتعب وناس تانية خالص هي اللي بتكسب، وان لازم الدولة هي اللي تتحكم في كل أدوات الانتاج وهي اللي تبيع وهي اللي تشتري وتوزع علي الناس بعد كده بالتساوي، بس أدم سميث قالك مفيش الكلام ده، السوق هيقدر يعالج المشاكل اللي من النوعية دي علي المدي الطويل من خلال حاجة اسمها "اليد الخفية" اللي هي فكرة العرض والطلب.

المهم ما بين المدرستين المتطرفين دول، كان في مدارس تانية معتدلة في النص، من ده علي ده يعني، وفضلت الخناقة لحد الأزمة المالية اللي حصلت في تلاتينات القرن العشرين اللي بيسموها "الكساد الكبير" والناس بتوع أدم سميث فضلوا مستنين إن السوق يعالج مشاكله بنفسه زي ما قال، وفضلوا مستنين الإيد الخفية اللي قالهم عاليها، بس كل مدي ما الأوضاع كانت بتبقي أسوأ، فطلع واحد قالك "ياعم ده كلام فارغ والمدي الطويل اللي كان بيقول عليه "سميث" ده علي ما هيجي هنكون احنا موتنا وشبعنا موت"، الراجل ده كان شغال موظف في وزارة الخزانة البريطانية كان اسمه جون ماينارد كينز، وطلع نظرية سموها "الكينزية" النظرية دي ملخصها إن الدولة مش شرط تمتلك كل أدوات الانتاج وتتحكم في كل حاجة، هنسيب الناس تبيع وتشتري وتنتج عادي، بس الدولة هيكون ليها "اليد العليا" علشان تمنع الاحتكار وتحافظ علي توازن توزيع الدخول والثروات {فاكرين أخر تعديل عملناه علي لعبة البورصة علشان ماحدش يحتكر كل السلع}

المهم الناس نفضت له، واستمر الوضع من غير تحسن لحد ما قامت الحرب العالمية التانية وكل الدول خرجت منهكة اقتصاديا من تداعيات الكساد الكبير ومن تكاليف الحرب، فبدأوا يجربوا نظرية كينز، وفعلا في خلال العشرين سنة اللي بعد الحرب كل الدول حتي اللي كانت مهزومة في الحرب وعلي رأسها ألمانيا بدأت تستعيد عافيتها الاقتصادية، لحد ما جت السبعينات، أقذر فترة في تاريخ العالم الحديث، وبدأ العالم يتجه مرة تانية للرأسمالية الصرفة بتاعة سميث ويطبقها بشكل أعنف، وعلي نص التمانينات كده كان العالم كله تقريبا تحول للرأسمالية وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أول التسعينات وتزعم أمريكا للعالم بلا شريك. وفي خلال أقل من تلاتين سنة حصلت الأزمة المالية العالمية في 2008 اللي مازال العالم بيعاني منها لحد دلوقتي، ورجع تاني الكلام عن أفكار كينز لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لما أحمد ابن خالي فكر في ابتكار البورصة اللي أضافه للعبة بنك الحظ كان كل الهدف اننا نلعب فترة أطول، لأن في الغالب كان في ناس بتفلس بسرعة قوي وتخرج من اللعبة بدري لأن الحظ ما أسعفهمش وماقدروش يشتروا أي بلد من البلاد المميزة، فأحمد خلق للناس اللي حظهم وحش فرصة موازية علشان يقدروا يجاروا أصحاب البلاد المميزة وتبقي في بينهم منافسة تخلي اللعبة أطول وبالتالي كلنا ننبسط، وده تقريبا اللي كان بيفكر فيه أدم سميث أبو الرأسمالية، كان بيفكر في مصلحة العالم كله، إن الناس كلها تبقي مبسوطة، لكن ما فكرش أبدا في النتائج الكارثية اللي ممكن تحصل بسبب جشع أصحاب البلاد المميزة،، قصدي أصحاب رأس المال، النتائج الكارثية دي هي اللي عانت منها البشرية في أزمة الكساد الكبير في التلاتينات، والأزمة العالمية في 2008، الجميل بقي ان علي الرغم من إن أصحاب رأس المال هما اللي اتسببوا في الكوارث دي لكن اللي بيدفع التمن هما الفقرا.

في دراسة عملها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في 2008 بتقول {إن حاصل جمع الثروة التي يمتلكها 1125 ملياردير في العالم قد بلغت أربعة آلاف وأربعمائة مليار دولار أمريكي، وتأسيسا علي هذه القيمة يمكن القول إن 1125 من أغني الأغنياء في العالم يمتلكون ثروة تساوي – علي وجه التقريب- مجمل الدخول التي يحصل عليها في عام واحد نحو ثلاثة مليارات مواطن، أي التي يحصل عليها مجمل سكان الهند وباكستان وبنغلاديش وتايلاند وماليزيا وفيتنام والفلبين والقارة الإفريقية برمتها}

الفكرة إن عدد البلاد المميزة في بنك الحظ ثابت ودي اللي بتمثل عوامل الانتاج الرئيسية، يعني اللي هيحط إيده علي البلاد المميزة دي هو اللي هيضمن دخل ثابت ومحترم. وفي نفس الوقت عدد الورق الموجود في البنك هو كمان ثابت يعني أقصي ثروة ممكن يوصلها اللاعب مهما بلغت مش هتتخطي عدد الورق الموجود في اللعبة، أدم سميث كان بيقول كل واحد وحظه وكل اللاعبين يشتغلوا ويتسابقوا علشان يلحقوا يشتروا البلاد المميزة زي القاهرة واسكندرية ويبنوا المنشئات ويطلعوا فلوس يضاربوا بيها في البورصة، والبنك ما يتدخلش ولا يقول لحد امتي يشتري وامتي يبيع. وكارل ماركس كان بيقول البنك هواللي يتحكم في كل حاجة، هو اللي يشتري كل البلاد وكل السلع ويوزع الفلوس بالتساوي علي اللاعبين. وكينز كان بيقول خلوا الناس تجتهد وتتسابق وتبيع وتشتري، بس لازم البنك يبقي فايق لهم وما يخليش حد يحتكر السوق علشان باقي اللاعبين ما يفلسوش... بذمتكم بقي مش لو كان الآي باد طلع علي أيامنا كان زمانكم اترحمتوا من التدوينة الطويلة قوي دي؟؟
-----------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Saturday, June 29, 2013

مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (سورة غافر 23-24)

لما ربنا أرسل سيدنا موسي عليه السلام لفرعون وقومه، فرعون قال للناس ده ساحر جاي يخرجكم من بلدكم ويبدل دينكم وينشر الفساد في الأرض.

{قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ.} (سورة غافر 26)

فخرج رجل مؤمن من قوم فرعون وكلمهم بالعقل،، قالهم لو موسي كذاب "فعليه كذبه" إنما لو كان صادق فده معناه ان هيصيبكم العذاب اللي ربنا توعدكم بيه علي لسانه، وانتو ممكن تكونوا أهل قوة وسلطة دلوقتي لكن مين اللي هينصركم من ربنا لو جالكم عذابه؟

{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} (سورة غافر 28-29)

وفي المقابل فرعون قال لقومه انا عارف موسي ده كويس،، واسمعوا كلامي انا اللي شايف الصح.

{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (سورة غافر 29)
وفي الأخر الناس سمعوا كلام فرعون ونفضوا للراجل المؤمن، فربنا وقاه من العذاب وحكم علي فرعون وقومه انهم يتعرضوا علي النار ليل ونهار لحد يوم القيامة.

{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (سورة غافر 45-46)

فرعون قال لقومه "ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" وكانت النتيجة انهم في النار، لم يغن عنهم ضعفهم أو جهلهم، ولم يغن عنهم فرعون وحاشيته، وكلهم مصيرهم بقي النار.

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} (سورة غافر 47-48)

سورة غافر فيها عبرة لمن يعتبر، ياللي انت ماشي ورا فرعونك ومش شايف غير اللي هو شايفه،، فرعون مش هيغني عنك حاجة قدام ربنا، مش هيغني عنك ضعفك أو جهلك،، مش هيغني عنك ترتيبك في الجماعة اللي بيفرض عليك الطاعة، مش هيغنك عنك شيوخك اللي انت "لهم تبعا"، اقرأ سورة غافر وفكر ألف مرة قبل ما تنزل بكرة وانت فاكر انك بتجاهد في سبيل الله،، وافتكر ان قوم فرعون كانوا فاهمين انهم بيجاهدوا في سبيل الرشاد.


{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (سورة غافر 44)

----------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Monday, June 17, 2013

هَـيْت لك


كنت أقلّبُ صفحات دفترٍ قديم عندما ألقت بي موجاته الورقية إلي شطٍ كانت هذه الكلمات رماله..

"يمكنني القول بملء فمي أن اليوم هو أحد الأيام المميزة، وذلك أني خطوت خطوة كبيرة -نسبيـًا- في طريقي إليها."

ما إن وطئتُ بقدميّ أول رمال هذا الشط حتي تسارعت دقاتُ قلبي عن معدلها الطبيعي، وكثف العقل من نشاطه في محاولة لاستحضار تلك التي تعود إليها هاء الغائب التي أُفلت بها تلك الجملة الافتتاحية، وهبت رياح خفيفة لا يبدو عليها السفر البعيد، ومن التاريخ المدون أعلاه أدركت أن ما قطعته تلك الرياح وصولا إلي ذلك الشاطئ ما مسيرته تقل بالقليل عن العامين. تابعت القراءة سعيا وراء تلك الرياح المسافرة، مستدبرًا البحر بأمواجه الورقية ومستقبلا الشط بكلماته الرملية.

"وصلت إلي العمل قرابة الثالثة عصرا علي الرغم من أن الدوام يبدأ في السادسة، ولكني بكرت قاصدًا تنفيذ مخططي لهذه الخطوة. اتخذت مكاني قبالتها مباشرة، وادعيت الانهماك في تحضير نفسي للعمل متشاغلا عن إلقاء التحية. لم تلبث أن أشارت بيُمناها بادئةً السلام الذي رده قلبي قبل لساني. ادعيتُ رغبتي في الجلوس إلي جوارها لمراقبة أدائها في العمل بغية تحسين بعض النواقص في أدائي، وكانت ابتسامتها الشفافة خير جواب لمسألتي، وإيذانًا بساعة ونصف الساعة من نعيم قربها. لم يسعدني قربها قدر ما أسعدني اكتشاف جمال عينيها القريبة من الخضرة منها إلي الزرقة، واللاتي تحملان من الصفاء ما يشي بصفة روحها."

جعلت أتعجب من وقع الكلمات في نفسي، ومن فيض المشاعر الذي جلبته رياحها الخفيفة المسافرة. شيئا فشيئا رحت أستعيد قصاصات متباينة عن ذلك اليوم وعن تلك الساعة التي جلست فيها إلي دفتري الورقي الكبير أدون تلك اللحظات الطوال والقلائل، في محاولة لحفظها من آفة النسيان. وجلعت أتذكر كيف كنا وإلام انتهينا، وكيف أنني عمدت بها إلي أقصي أركان ذاكرتي في محاولة للفكاك من أسرها.

"كانت سويعاتها الأخيرة في الدوام الذي كانت تنتظر منه لحظة الخلاص، وشعرت بفرح شديد كوني سببًا في تخفيف وطأة هذه السويعات، فلم أُكثر من الكلام إلا ما لزم وأضحك، ولم تُكثر من الإجابة باللسان قدر استجابتها بتلك العيون الصافية، والضحكات الخجلى، ما جعلني أشعر وكأن الدنيا تتهيأ لي في أبهي صورها، وتقول في غير خجل "هيت لك".


أخذت أستعيد لحظات مماثلة إن لم تكن مطابقة، جلست فيها إلي دفتري الورقي الكبير، أدون ذكرياتٍ مغايرة، في محاولة لحفظها من آفة النسيان... وأدركت حينها أنني لم أقم بتدوين ذكرياتي لحفظها وإنما للتخلص منها، وأن دفتري الورقي الكبير لم يكن سوي سجلا كبيرا يحوي محاولاتي المتتابعة للبحث عن تلك التي تعود إليها هاء الغائب التي أُفلت بها تلك الجملة الافتتاحية، ويحوي محاولاتي المستميتة للبحث عن دنيا تتهيأ لي في أبهي حُللها، وتقول في غير خجل "هيت لك".
-----------------------
مدونة سقراط | محمد عوض
اللوحة للفنان الإيراني "مرتضي كاتوزيان"

Wednesday, May 8, 2013

كلنا مرسي




هو احنا ليه دايما بنعتبر ان الحاجة الكويسة هي القاعدة والحاجة الوحشة هي الاستثناء؟؟
يعني ليه دايما معتبرين ان مصر دي بلد عرابي مش بلد الخونة اللي خانوه وباعوا البلد للانجليز؟؟
ليه دايما شايفين بلدنا أحسن بلد في الدنيا وشعبنا أعظم شعب في التاريخ وكل الناس بتتعلم مننا؟؟
ليه دايما فاهمين ان حرب اكتوبر بتدرس في كل الكليات الحربية في العالم، وان كل الدنيا بتدرس الثورة المصرية لأطفالها في المدارس؟؟
ليه دايما شايفينها بلد الشيخ عماد عفت ومينا دانيال وأحمد حرارة؟ ليه مش معتبرينها بلد مبارك والعادلي ومصطفي بكري ومرسي؟؟
 اللي يخلي واحد زي مرسي ده رئيس للبلد دي بعد المصايب اللي عملها طول العشر شهور اللي فاتوا يخلينا نفهم ان دي بلد مرسي، وان مرسي ده مجرد مراية بنشوف فيها جهلنا وغباوتنا وفسادنا وغرورنا وفهلوتنا، ويخلينا نفهم كمان ان ... كلنا مرسي.
محمد عوض
----------------------
مدونة سقراط

Sunday, April 7, 2013

ا ب ت... ذال




"سي السيد"
من أهم الإكليشيهات في الثقافة المصرية، ومضرب المثل في ديكتاتورية الزوج المصري أو الرجل الشرقي، والاكليشيه ده بيشتغل برضه من الناحية التانية زي الجاكيت اللي ممكن تلبسه ع الوشين كده، فتقدر تعتبره برضه مضرب المثل في اضطهاد الزوجة المصرية أو المرأة الشرقية. والأصل في الإكليشيه ده شخصية "السيد أحمد عبد الجواد" في ثلاثية الأديب المصري الكبير "نجيب محفوظ" والتي تعتبر من أهم روافد الثقافة المصرية اللي تشبعنا بيها من واحنا صغيرين سواء من خلال الفيلم اللي قام فيه "يحيى شاهين" بدور سي السيد، أو المسلسل اللي قام فيه "محمود مرسي" بنفس الدور، الاتنين كانوا عباقرة بصراحة بس ماعلينا ده مش موضوعنا، المهم ان الإكليشيه ده أصبح من أهم مفردات ثقافتنا المصرية، اللي بين قوسين كده "سمعية".
وسمعية دي معناها ان الغالبية العظمي من اللي بيستخدموا الإكليشيه ده عارفين مصدره من الفيلم أو المسلسل مش من الرواية، وده معناه بشكل أخر اننا شعب غير قارئ. وبناء علي الاكليشيه ده، الناتج من الثقافة السمعية دي، احنا اعتبرنا فعلا ان هي دي شخصية الزوج المصري أو الرجل الشرقي أيام زمان، انه كان ديكتاتور، وكان متزمت، وكان صارم، وكان بيأمر فيطاع، واقلب الجاكيت بقي علي الناحية التانية هتلاقي ان "أمينة" اللي هي زوجة "سي السيد" هي كمان بتعبر عن شخصية الزوجة المصرية أو المرأة الشرقية أيام زمان، وانها كانت ضعيفة، ومضطهدة، ومالهاش رأي، وبتغسل رجيلين جوزها في مية وملح، وبتقوله يا سي السيد حتي لو هو ماسموش السيد، وكل ده زي ماقلنا كان أيام زماااااااااااااان.
أيام زمان دي بقي اللي هي امتي؟؟ أحداث الرواية بتبدأ سنة 1919 يعني بعد عشرين سنة كاملين علي صدور كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين سنة 1899، يعني السنة اللي المرأة المصرية خرجت فيها للمشاركة في المظاهرات لأول مرة في التاريخ المصري، يعني السنة اللي المرأة خلعت فيها البرقع وأصبحت دعوي قاسم أمين لسفور النساء واقع متحقق.. الجميل في الأمر ان نجيب محفوظ نفسه قال في الرواية وفي مواضع كتيرة جدا ان شخصية "السيد أحمد عبد الجواد" كانت الشكل المتطرف من الرجل الشرقي المحافظ، وانها كانت الاستثناء مش القاعدة، حتي ما بين أصدقاؤه التجار اللي من نفس الشريحة الاجتماعية والثقافية كانوا بيعتبروه استثناء، بمعني تاني.. الشكل ده من العلاقة الزوجية اللي بيستدعيه الإكليشيه كان موجود فعلا في الفترة دي في المجتمع المصري، بس كان الاستثناء النادر مش القاعدة الغالبة، لكن اللي حصل اننا عملنا من الاستثناء ده اكليشيه واديناله معني مختلف تماما عن الأصل اللي هو خرج منه، والعملية دي بيتقال عليها "ابتذال".. وهو ده عنوان التدوينة اللي اعتقد ان في ناس – مش عاوز اقول كتير- مافهمتوش.
اللي حصل اننا ابتذلنا الفكرة كلها، فرغناها من مضمونها تماما، وعملنا منها اكليشيه، وادينا له المعني السطحي اللي خرجنا بيه من فكرة الرواية أو الفيلم أو المسلسل، وده طبيعي جدا انه يحصل في ثقافة.. بين قوسين "سمعية"، وبناء علي الثقافة السمعية دي احنا مش بس ابتذلنا فكرة في رواية من روايات نجيب محفوظ، ده احنا ابتذلنا أدبه كله، وصدقنا الإشاعة اللي بتقول انه حصل علي جايزة نوبل علشان صور ربنا والرسل في رواية "أولاد حارتنا"، لدرجة انه تعرض لمحاولة اغتيال فعلا علي ايد أحد شباب الجماعات المتطرفة، واحنا صدقنا الإشاعة حتي من غير ما نقرأ الرواية ونتأكد بنفسنا من اللي سمعناه.
ليه العنوان "ابتذال" مكتوب بالطريقة دي (ا ب ت... ذال)؟؟ لأن الابتذال جزء أصيل من الثقافة السمعية، وبالتالي هو جزء أصيل من الثقافة المصرية، حاجة كده زي الأبجدية (ا ب ت ث ج .....إلخ) وعلشان كده تلاقينا بنمارس الابتذال ده في كل حياتنا، وأكبر دليل علي كده اننا مشهورين بخفة الدم، والسخرية، والألش مؤخرًا.. دي فعلا حاجة جميلة مش وحشة، انك يبقي عندك القدرة علي السخرية والضحك وتوليد النكتة حتي في أحلك المواقف وأصعبها، لكن احنا بنعمل الموضوع ده بزيادة شوية، بضمير حبتين، فبيوصل لدرجة الابتذال، زي بالظبط ظاهرة الأقوال المأثورة اللي ظهرت علي الفيس بوك من فترة، واللي من خلالها ابتذلنا كل رموز ثقافتنا اللي "مش سمعية"، أيام ماكان عندنا ثقافة مش سمعية، وقييس علي كده بقي لحد ما توصل لأكبر وأهم مثال في موضوع الابتذال ... "الثورة"
لما تيجي تتكلم عن الثورة لازم تقول "الـ18 يوم" علشان تفرق ما بين بداية الثورة و...... اللي احنا وصلنا له دلوقتي، وتلاقي الناس بتتكلم عن الـ18 يوم دول كأنهم حاجة كده خيالية، وانهم مش زي اللي بيحصل اليومين دول، وان التحرير دلوقتي مش هو التحرير بتاع الـ18 يوم، وان المظاهرات الأيام دي مش زي المظاهرات في الـ18 يوم.. والسبب في ده هو نفس الفكرة.. "الابتذال"، احنا ابتذلنا حتي فكرة الثورة وفرغناها من مضمونها، فأصبحت حاجة كده مجوفة مالهاش نفس المعني بتاع "ثورة الـ18 يوم"، فيبقي طبيعي جدا بعد عملية التفريغ دي ان واحد زي "أحمد الطيب" شيخ الأزهر يبقي بطل ثوري، مع العلم انه هو نفس الشخص اللي كان من زبانية ومنافقي نظام مبارك، ونفس الشخص اللي وقف ضد الثورة في الـ18 يوم، ونفس الشخص اللي باع البلد كلها ووافق علي تمرير دستور الإخوان في مقابل انه يُخلد في منصبه، تحول فجأة لبطل ثوري بس لمجرد انه أصبح علي خلاف مع الإخوان.
ثقافتنا المصرية، اللي هي بين قوسين "سمعية" هي اللي خلتنا ابتذلنا ثلاثية نجيب محفوظ في اكليشيه "سي السيد"، وهي اللي خلتنا ابتذلنا تاريخ الراجل كله في إشاعة سمعناها، وهي اللي خلت شاب -كل معلوماته عن نجيب محفوظ وصلت له من خلال السمع- يحاول يقتله وهو فاكر انه كده بيجاهد في سبيل الله، وهي كمان اللي خلتنا ابتذلنا "الثورة" ووصلنا للي احنا فيه دلوقتي.
"... وإن هذه المحاولة لا تهدف إلي وضع نجيب محفوظ بين الكتاب الإسلاميين بالمعني الضيق لهذا المصطلح، وهي إذ تتجه إلي التحفظ والتوضيح، تدل في النهاية أن الصورة التي رُسمت لأدبه وشاعت علي أيدي بعض نقاده، كانت مغرضة إلي حد كبير، وأن نقادًا أخرين بصَمْتهم عنه قد أسهموا إيجابيا في تأكيد هذه الصورة المغرضة، كما أسهموا من قبل في تعميق مفاهيم معينة عند الكاتب، لأنه لم يجد من يناقشه، أو يوضحه، أو.. يوضح له" { من كتاب "في أدب نجيب محفوظ" - تأليف د.محمد حسن عبد الله - صــ 456}
================================
محمد عوض
مدونة سقراط