Tuesday, March 25, 2014

أيها الراقدون تحت التراب .. ما في ألغام






كانت المركبة الثقيلة تقل أربعة من الجنود المستجَدّين وقائدًا لهم، عندما اضطرهم انفجار أحد إطاراتها إلي التوقف لاستبدال الإطارات. وبينما كان الجنود يثبون للحاق بالإطار الاحتياطي الذي تدحرج مبتعدًا بعد أن قاموا باستخراجه من مكمنه أسفل المركبة، صاح بهم قائدهم؛ "أيها البلهاء، تجمدوا في مواقعكم ولا يحرك أي منكم ساكنا، لقد دخلتم نطاق حقلٍ للألغام".

بعد ساعات طويلة مكث فيها الجنود البؤساء المغلوبون علي أمرهم متجمدين في مواقعهم، لم تأتهم النجدة، ولكن أتاهم صوت عبد الوهاب يصدح "أيها الراقدون تحت التراب". أخذتهم الظنون وتلاعبت بهم الأخيلة بينما الصوت يقترب ويتضح أكثر فأكثر حتي تبدي لهم أعرابيٌّ يمتطي حماره ويحمل بين يديه مذياعا. وبعد تبادل نظرات الاستنكار سألهم الأعرابي "فيم وقوفكم هنا؟" فخرج الجنود عن صمتهم المسربل بالدهشة وجاوبوا سؤاله بسؤال "كيف تأمن علي نفسك وأنت تخوض حقل ألغام؟" فابتسم ابتسامة الخبير العالم ببواطن الأمور وخفاياها ثم قال "هذي الأرض أرضي، وقد وضعت تلك اللافتة الزائفة لدفع المتطفلين عنها" اتسعت ابتسامته أكثر واستطرد بلهجة بدوية "ما في ألغام".

لسنوات طويلة انحصرت معرفتي بأحداث الفتنة الكبري التي شهدها المسلمون في القرن الأول الهجري، في أن الفتنة بدأت بمقتل عثمان بن عفان وانتهت بمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب. وأدركت بعد أن تجاوزت سني عمري ربع القرن أن التصور الشائع عن هذا الموضوع الشائك، بمثابة حقلٍ للألغام يغشاه الهلاك من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله، ومن ثم ينبغي توخي الحذر الشديد من الخوض فيه أو حتي الاقتراب من نطاقه. وعليه فلن تجد أي إشارة من قريب أو بعيد إلي الفتنة وأحداثها في المناهج التعليمية طوال إحدي عشر عاما من التعليم الأساسي أو فيما قد يتبعها من التعليم الجامعي، ولن تسمع عنها في خطبة عصماء، أو غير عصماء، في يوم من أيام الجمعة، ولن يثار الحديث عنها بمجلس ذِكْر أو مجلس سَمَر. ومن ثم ستبقي كل معرفتك بأحداث الفتنة مقرونة بتلك القوالب الجاهزة المعلبة التي أفرزتها ثقافتنا السمعية والتي تتلخص في أن الفئة الباغية قتلت عثمان وعليّا وابنيه، وأننا –ولله الحمد- من الفئة الناجية، وأن "الشيعة" قومٌ مارقون، يؤلّهون عليّا، أو علي أقل تقدير يدّعون له النبوة، ويسبون أصحاب النبي، ويحيون ذكري عاشوراء بالاقتصاص من أنفسهم بأن يضرب بعضهم بعضا بالسياط والجنازير.

وبعد قرار تأخر كثيرا، استعرت من أحد أصدقائي كتاب "الفتنة الكبري" للدكتور طه حسين، والذي يستعرض فيه أحداث الفتنة لا من وجهة نظر دينية، ولا تاريخية، ولكن من وجهة نظر سياسية، يناقش من خلاله النظام السياسي الذي أقامته الدولة الإسلامية في صدر الإسلام وأثناء خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، وما طرأ علي هذا النظام من تغير وتبدل أحدثته الفتنة بعد ذلك. وعلي الرغم مما قد يشوب هذا الكتاب من نقص، وإن كان لا يعيبه لكن تقتضي الحاجة استكماله بغيره من المصادر، إلا أنني توصلت إلي قناعة بأن أحداث الفتنة كانت ابتلاءً من الله، ليس للسابقين الأولين من المسلمين ممن حضر أحداث الفتنة وحسب، ولكن للأمة الإسلامية جمعاء. ويبقي الثابت فيها أن رسول الله قد حذر منها، ودعا المسلمين إلي اعتزالها، وأورد فيها من الأحاديث ما يبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن ذلك قوله لعليّ بن أبي طالب أن قاتله هو أشقي الناس يوم القيامة، وقوله لعمار بن ياسر "ويحك يا ابن سمية، تقتلك الفئة الباغية" وغيرها من الأحاديث.

غير أن أهم ما انتهيت إليه هو أن الصحابة والتابعين، مهما بلغت منزلتهم من رسول الله وقرابتهم له، ومهما كانت سابقتهم في الإسلام وفضلهم فيه، كانوا بشرا، يجري عليهم ما يجري علي كل بني أدم، يجتهدون فيخطئون ويصيبون، وليس علينا من إثم في الوقوف علي ما وصلنا من سيرتهم وأخبارهم، ما اختلف فيه المؤرخون وما اتفقوا، نقتفي أثر حديث رسول الله عن الفتنة، وننتهي عما نهانا عنه من العصبية والتشيع والفرقة، ونترك الحكم في الأخير لله. ولست أري في كل ذلك ما يدعو إلي تلك الرهبة الشديدة المقترنة بأحداث الفتنة وكل ما يتعلق بها، ولا تلك الهالة الزائفة التي تحيط باللفظة المجردة "الفتنة" والتي لا تختلف في زيفها عن لافتة الأعرابيّ، وما أرانا بجمودنا وركود فكرنا أقل بؤسا من الجنود في موقفهم من حقلٍ زائفٍ للألغام، ولكن من أين لنا بمثل هذا الأعرابيّ ليصيح بنا "أيها الراقدون تحت تراب الجهل والتغييب .. ما في ألغام".
-----------------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Monday, February 17, 2014

الحرب في بر مصر



رواية "الحرب في بر مصر" للكاتب يوسف القعيد هي رواية شهيرة، وتقع في مرتبة متقدمة في تصنيف جريدة أخبار الأدب المصرية لأفضل 100 رواية في القرن العشرين، ولكني بعد قرائتها لم أجد فيها سوي حبكة لا أري للكاتب أي فضل فيها، ولا أستبعد أن تكون حبكة قصة حقيقية حدثت بالفعل. ولا أراني مبالغا حين أقول أن تلك الرواية استمدت كامل شهرتها من تحولها إلي فيلم سينمائي بعنوان "المواطن مصري" قام بأداء أدوار البطولة فيه كل من عمر الشريف وعزت العلايلي.

لا أدّعي علما بقواعد النقد الأدبي، ولكني كقارئ نَهِم للأدب أستطيع الوقوف علي عدة معايير موضوعية لتقييم العمل الأدبي، أولها وأهمها لغة الكاتب. فكما أن الصلاة هي أول ما يُحاسب عليه المرء يوم القيامة، اللغة هي أول ما يحاسب عليه الكاتب عند القراءة، ولغة الكاتب في هذه الرواية آية في الركاكة والسطحية، تمتزج عاميتها بفصحاها في خلط فج لا يربطه رابط، ولا تستطيع أن تتبين دلالة التعبير بالفصحى هنا، أو التعبير بالعامية هناك، أو التعبير بلغة ركيكة لا هي عامية ولا هي فصحى في كثير من الأحيان.

أما إذا جئنا إلي القالب السردي، فسنجد أن الكاتب اعتمد علي قالب محدد من بداية الرواية، إن جاز لي أن أسمّيه "القالب السردي متعدد الألسنة"، حيث يقوم الكاتب بتقسيم فصول الرواية بين شخصياتها، ويقوم بالسرد علي لسان كل شخصية في الفصل الخاص بها، غير أن الكاتب لم يلتزم بهذا القالب السردي، فكان الكلام يسري علي لسان الراوي تارة وعلي لسان الشخصية تارةأخري في عشوائية لا دلالة لها، حتي أن القارئ يختلط عليه الأمر في بعض الأحيان ولا يدري ما إذا كان المتكلم هو الراوي أم الشخصية.

إذا انتقلت إلي بداية الصفحة وقمت بالضغط علي الرابط المتشعب الذي يحمل اسم الكاتب "يوسف القعيد" سيحملك هذا الرابط إلي الصفحة الخاصة بالكاتب علي موقع "جودريدز" وستقرأ ضمن ما كُتب في تعريف الكاتب أن "حازت روايته الحرب في بر مصر على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية." وهو ما يدفعني للتساؤل، إن كان الكاتب حقا يملك ناصية فن الرواية بما يدفع بأحد أعماله إلي رأس القائمة الخاصة بأفضل 100 رواية في قرن كامل، أليس من الغريب ألا تحظي أي من أعماله الأخري بأية شهرةٍ تُذكر؟!
--------------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Tuesday, February 4, 2014

باسم يوسف



باسم يوسف أيام محمد محمود الأولي عمل حلقة من ميدان التحرير بكي فيها وبكانا كلنا،، كانت أول مرة نشوفه بيتكلم جد قوي وهو نفسه اعتذر في أول الحلقة وقال الحلقة دي هتبقي كئيبة وكان لابس تي شيرت اسود ودقنه طويلة،، كانت حلقة صعبة جدا،، هو اتكلم فيها بكل صراحة وقال ان المجلس العسكري المسئول الأول والأخير عن المهزلة اللي حصلت.
.......
......
.....
...
..
.
.
من كام يوم ‫#‏باسم_يوسف‬ كان في برنامج مع عمرو الليثي، لما سأله "موافق علي ترشح السيسي للرئاسة ولا لأ؟" باسم جاوبه من غير ما الابتسامة تفارقه، وفضل يلف ويدور ويقول كلام كتير ملخصه انه مش موافق، وان السيسي أحسن له ولنا انه يفضل وزير دفاع، وان زي ما بنقول ان الدين بقدسيته ماينفعش يتدخل في السياسة، الجيش كمان كمؤسسة وظنية لازم يفضل بعيد عن 
 السياسة.
..........
........
......
....
..
.
ده معناه حاجة من اتنين،، يا إما المجلس العسكري مش مسئول عن الناس اللي ماتوا في محمد محمود،، يا إما السيسي مسئول عن الناس اللي بيتقتلوا كل يوم،، بس في الحالتين باسم يوسف ملوش غير توصيف واحد من 3 حروف بيبدأ بحرف العين
.
-----------------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض

Wednesday, January 15, 2014

نهر يناير



"كان ابني في العاشرة من عمره حين سألني؛ لماذا يندرج فعل "القتل" تحت مهام وظيفتي كشرطي. ابني رفائيل الذي يرقد الآن بالمشفي بعد أن أصيب بطلق ناري، لم أدر حينها بماذا أجيبه. وأنا الآن، وبعد إحدي وعشرين عاما من الخدمة في الشرطة العسكرية، لا أدري لماذا قَتلت، ولا باسم من قَتلت. ولكنني –سيدي النائب- لا يخامرني أيُّ شكٍ في أن الشرطي حين يقتل ليس هو من يسحب الزناد. كما أنني علي يقينٍ بأن أكثر من نصف زملائك بهذا المجلس الموقر مكانهم الحقيقي هو السجن."
بهذه الكلمات بدأ روبرتو ناسمينتو، الضابط بقوات الشرطة العسكرية البرازيلية، شهادته أمام جلسة الاستماع بالبرلمان، في واحدة من أكبر قضايا الفساد بولاية ريو دي جانيرو. الفيلم البرازيلي "Tropa de Elite" أو "النخبة" في جزئه الثاني بعنوان "العدو من الداخل" من انتاج عام 2010.

تبدأ الأحداث قبيل انتخابات التجديد بولاية ريو دي جانيرو. سعيا منه لرفع أسهمه لدي العامة، يقوم محافظ الولاية بالتنسيق مع عدد من قيادات الشرطة العسكرية الفاسدين بتنفيذ عملية مسرحية يتم خلالها الهجوم علي أحد مراكز الشرطة والاستيلاء علي الأسحلة الموجودة بها، ثم الاستعانة بوسائل الإعلام للترويج لهذه العملية علي أنها شكل من أشكال الإرهاب الذي يمارسه تجار المخدرات.

"ما الذي يحدث بمدينة ريو دي جانيرو؟ ما الذي يحدث بتلك المدينة الجميلة؟ مجموعة من الحثالة يقومون بالهجوم علي أحد مراكز الشرطة لسرقة الأسحلة، لسرقة الأسلحة الموجودة بمركز الشرطة" يصمت برهة ليعود ويقول في انفعال مفتعل "هذه ليست عملية سرقة يا سادة، بل هي عملية إرهابية.. عملية إرهابية. لا تحدثني عن حقوق الإنسان، فالإرهابي ليس بإنسان.. سيدي المحافظ إذا أخذك التسامح مع تلك الحثالة فعليك بتوديع منصبك، لأن هذه الحثالة ستقوم بإعمال هذا السلاح في مواجهة إدارتك، تلك الإدارة التي قامت بتطهير هذه المدينة من تجارة المخدرات. سيدي المحافظ، لا تأخذك بهم شفقة ولا رحمة"

تخرج هذه الكلمات في أداء مسرحي غاية في الركاكة والافتعال من أحد مقدمي البرامج التلفزيونية، الذي يذكرك أداؤه بالكثيرين في بلادنا ممن يقال لهم "إعلاميين"، من هم علي شاكلة توفيق عكاشة وأحمد موسي وخيري رمضان وغيرهم، مطالبا محافظ ولاية ريو دي جانيرو بالرد علي تلك العملية "الإرهابية" وملاحقة تجار المخدرات.

واستكمالا لأخر فصول تلك المسرحية، تقوم قوات الشرطة العسكرية بمداهمة المقاطعة الشمالية بالولاية، المعروفة بإيوائها لأغلب تجار المخدرات، وإعمال القتل بشوارعها بحثا عن الأسحلة المسروقة، تلك العملية المسرحية التي يصفها ناسمينتو فيما بعد بالعملية "العراقية" نسبة إلي الحرب الأمريكية علي العراق قبل عشر سنوات بحثا عن أسحلةٍ للدمار الشامل. وكما في الفصول الأولي من المسرحية، كان لوسائل الإعلام دورها في هذا الفصل الأخير بالترويج لتلك العملية، والثناء علي المحافظ وسعيه الدءوب لتطهير ولاية ريو دي جانيرو من تجار المخدرات "الإرهابيون".

بعد محاولة فاشلة لقتله، يواصل ناسمينتو مواجهته للنظام، أو "الأعداء" علي حد وصفه. يتقدم إلي البرلمان بما توفر لديه من أدلة تدين العديد من رموزه، ولكن النظام يقاوم، يدفع بالبعض إلي السجون لاحتواء الرأي العام، فالنظام دائما علي استعداد للتضحية ببعض الأصابع لإنقاذ الذراع، ولديه من المرونة ما يمكّنه من الاستفادة حتي من أحلك الظروف، ومن ثم تجري الانتخابات في أجواء تبدو للعامة كشكل من أشكال التطهير الذاتي للنظام، وهو ما يسفر عن تجديد ولاية المحافظ لأربع سنوات أُخَر.

يقول المفكر والمؤرخ الأمريكي نعوم تشومسكي "في مجتمعٍ حيث يُسمع صوت الشعب، علي مجموعات النخبة ضمان أن يقول ذلك الصوت الأشياء الصحيحة. وبقدر ما تنحسر قدرة الدولة علي استعمال العنف في الدفاع عن مصالح مجموعات النخبة التي تهيمن عليها (الدولة)، بقدر ما تزداد الضرورة لابتداع آليات (هندسة الموافقة)"


عزيزي القارئ، هذا المقال لا يدعوك إلي المقاربة بين الوضع في مصر وبين أحداثٍ خيالية في فيلم ما يحكي عن بلاد بعيدة. فلتترفق بكاتب هذه السطور، ولا تظن به التحاذق عندما يطالعك العنوان "نهر يناير"، فما هو إلا الترجمة العربية للكلمة البرتغالية "ريو دي جانيرو"، ولا تسمح لذلك الاقتباس المنمق من إحدي الكتب الفلسفية سميكة الكعب، أن يفسد عليك بهجة العرس الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام، فهذا المقال ما هو إلا محاولة للخروج علي متلازمة (الفيلم الأجنبي = الفيلم الأمريكي)
--------------------------
مدونة سقراط | محمد عوض