Monday, May 17, 2010

كي لا تضيع البقية

ما فعله أهالي بلدة كتر مايا لم يكن سوي رد فعل طبيعي علي جريمة بلغت من البشاعة مبلغا أصبغ علي رد الفعل الصفة نفسها، ثم ماذا تراهم فاعلون بقاتل عجوزين وطفلين؟ ما قاموا به من التنكيل بجثة القاتل لم يكن من العقل في شيء، ولكنه أتي بدافع من الغضب المتأجج في النفوس.

هكذا برر البعض تلك الواقعة التي جرت قبل أسبوع ببلدة كتر مايا اللبنانية بأنها كانت تعبيرا عن براكين من الغضب ضاقت بها النفوس والتي لم يكن من بد سوي تفجيرها. ولكنهم لم يسلكوا المسلك نفسه في تبرير فعلتي أنا بأنها هي الأخري كانت بدافع من الغضب وأنها لم تخل من بشاعة خلعتها عليها جريمة أهل البلدة.

بداية يتوجب عليَّ الاعتراف بأخطائي، لقد أخطأت عندما قمت بنقل انفعالي السلبي ولم أقم باحتوائه، وأخطأت عندما تخطيت حدود الأدب وتلفظت بألفاظ، وان كنت لا أخجل من استخدامها، إلا أنني أخطأت حينما ذكرتها بمجال وافقت علي احترام نظامه الأخلاقي، وأخطأت أيضا حينما جمعت الحابل ع النابل وأتيت علي ذكر المقاومة في غير موضعها، وإزاء كل هذا لا أملك من أمر الدفاع عن نفسي سوي أن أعتذر عن كل ما اقترفته من أخطاء.

ويبقي أن أقول اني مازلت علي رأيي، وأنه من الاجحاف تفريغ تلك الواقعة من مضامينها الجلية، ومن الاجحاف أيضا إغفال العلاقة بين كل تلك الحوادث المتتالية. فتلك النغمة التي طال ترديدها، بأننا مازلنا إخوة وبأن الحوادث الفردية لن تعبر عن مكنون الصدور، باتت غير مستساغة بالمرة. من السعودية إلي الجزائر إلي السودان وأخيرا وليس بآخر واقعة كتر مايا بلبنان كلها حلل متباينة لمضمون واحد، ولو كان بإمكاننا إنطاق تلك الوقائع لأخبرتنا بأن الشعوب العربية تشعر - وإن أخطأت - بأن الشعب المصري ينظر إليها بعين الكبر والغرور، وبأن الشعب المصري يشعر - وإن أخطأ - بأن الشعوب العربية تكن له فيضا من مشاعر الحقد والكراهية.

وما يثير الدهشة حقا هو كثرة الوقائع التي تؤكد نفس المعني وتحمل ذات المضمون، ولكنها في الغالب تكون ذات قدرة محدودة علي لفت الانتباه، فالأمر لا يتعلق فقط بالمباريات المؤهلة للكأس العالمية، فدائما ما تشهد مباريات الفرق المصرية بأي من أشقائها العرب أجواءًا ساخنة في كل ميادين الرياضة، وأحيانا ما تنتهي بمشاجرات عنيفة تتخضب علي إثرها ساحات اللعب بالدماء العربية، إلا أنها دائما ما يتم تحجيمها تحت وطأة تلك النغمة البالية لنعود ونذكر أنفسنا بأننا مازلنا إخوة وسنظل إخوة.

واذا كنا حقا إخوة ألا يوجد من بين كل المحترفين في الدوري المصري محترف واحد من بلد عربي، بالطبع يوجد من هم علي شاكلة كريم العراقي ورمزي صالح من محترفي الجلوس علي دكة الاحتياط، ولكن ألا يوجد محترف واحد تهتف باسمه الجماهير المصرية كما تهتف لأخوته من المصريين والأجانب، ألا يلعب الإخوة معا؟؟؟

قد أكون بكلماتي السابقة عدت إلي ما سبق أن وقعت فيه من أخطاء، ولكني أناشد من غفروا لأهل كتر مايا ذلتهم أن يغفروا لي أيضا، فأنا لم أستطع منع مشاعري من التأجج لدي مشاهدة هذا الكم من المجلدات التي حملت الاسم نفسه والتي نأت بحملها أرفف مكتبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عنوانا واحدا حملته كل تلك المجلدات "السوق العربية المشتركة" وجعلت أتساءل كم تكون يا تُري عدد الأفكار التي حملتها كل تلك المجلدات؟ وهل عجزت جميعها عن هزيمة الواقع؟ الواقع.. هل نتكلم بلسان الواقع؟ إذا أنطقنا الواقع سيخبرنا بأن نسبة التجارة البينية العربية من إجمالي التجارة الخارجية العربية تدور حول الرقم 10% بمعني أنه من بين كل مائة وحدة نقدية تنفقها الدول العربية علي تجارتها الخارجية، تنفق منها عشر وحدات فقط في داخل الوطن العربي والباقي خارجه، وتنطبق المؤشرات ذاتها علي الاستثمارات العربية. ولكننا لا نملك إزاء ذلك الواقع سوي أن نشيح بوجوهنا عنه مرددين تلك النغمة البالية مؤكدين علي أخوتنا وصلابة عصبتنا.

ما حدث ببلدة كتر مايا اللبنانية لا يمكن تفريغه من محتواه ولا يمكن فهمه بمنأي عن السياق العام للواقع العربي الحالي، ما حدث هو أن شاب يحمل الاسم محمد مسلم مصري الجنسية تم سحله وصلبه بعد فاضت روحه إلي بارئها وهو وحده الذي يعلم إن كان هذا المذبوح هو القاتل أم القتيل. من غفروا لأهل بلدة كتر مايا فعلتهم بدعوي أننا لو كنا هم لأتينا ما أتوا بلا قلوب وجلة، أتساءل إن كانوا حقا يشعرون بالامان أم أن تلك إحدي وصلات نغمة الأخوة؟ أتساءل إلي متي سنعمد إلي طمس الحقائق وتغييب الواقع؟ أتساءل؛ ألم نفهم بعد أن طوقان كان ساخرًا حينما قال:

أنتم المخلصون للوطنية ... أنتم الحاملون عبء القضية
في يدينا بقية من بلادٍ ... فاستريحوا كي لا تضيع البقية
؟؟؟

2 اتكلموووووو:

Reem Elmesidy said...

عزيزي سقراط ..
حقيقةً كنت انتظر هذه التدوينة بكل ما لدي من صبر .. لما وعدت به من رد على إتهاماتك بالعديد من الأخطاء اللفظية والكلامية في التدوينة السابقة .. وكنت قد قررت ان أسألك بصفة شخصية عنها لولا أنك اخرجتها ف الوقت المناسب ..

أما عن محتوى ومضمون التدوينة .. فلك كل التقدير يا صديقي على ما اظهرته من اعتراف بالخطأ .. فهو فضيلة لا تقدر بثمن .. ولمن غفروا لأهل لبنان أن يغفروا لك .. أما عني فلم أكن من المدافعين عنهم بالأساس ..

وأخيرا .. عن سؤالك عن الشعور بالأمان فصدقني -على لساني ثم على لسان كل المصريين- ليس منا من يشعر بهذا الأمان لا داخل بلده ولا خارجها .. وهذا لنفس الأسباب التي أزالت الشعور به عنك ..

تحياتي لك يا محمد ..
وفي انتظار الجديد والجديد من إبداعاتك ان شاء الله ..

Mohamed AbdAllah said...

احب ان اقول لك انه لم ولن تضيع البقية لانها في الاصل ضائعة واقصد حالنا نحن المصريين وليس انت , فانت لم تفعل شئ الاانك اخرجت بعض من كل مما يجيش به صدرك وابديت رايك . وعودة على حالنا نحن المصريين فما الحادث الا قطرةمن محيط متلاطمة امواجه يحمل رواسب من السلبية والتخازل والعار صنعتها ايادي الظلم ونحن رصخنا لها فما حدث وماسيحدث مبني على مافات وسلامي لك