كنت منسابا في قراءة "خارطة الحب" رواية غاية في الجمال للكاتبة المصرية أهداف سويف، عندما تطرق الحديث إلي حادثة دنشواي، وفجأة وبغير سابق انذار وجدت الدموع تنساب هي الأخري وكأني أقرأ تفاصيل الحادثة بجريدة الصباح بتاريخ 27 يونيو 1906 وليس 21 سبتمبر 2011.
واجهت التدوينة الأخيرة "استمناء" اعتراضًا واسع النطاق من أغلب قرائها (علي قلتهم) نظرًا لفجاجة العنوان، حتي أن البعض أعرض عن القراءة أصلا بمجرد اطلاعه علي العنوان، وفي حديث مع صديق لي أخبرته أني لو خُـيرت ألف مرة بين هذا العنوان وغيره لما استبدلته، والأمر في الحقيقة يدعو إلي مزيد من الاستنكار ليس فقط من دعاة الاستقرار ولكن أيضا من أولاء الذين يخدش حياءهم وصف الفعل وليس الفعل نفسه، وأعتقد ان هذا هو التحدي الاكبر الذي تواجهه منظومة القيم بمجتمعنا، وهو تسمية الأشياء بغير أسماءها، فالهزيمة في الحرب نطلق عليها نكسة، والتهاون في دماء شهداء اكتوبر ندعوه سلامًا، والتخاذل تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الاقليمية نسميه حنكة سياسية، وضياع دماء شباب الخامس والعشرين من يناير نقول له استقرارًا، أما كبري الكبائر فهي أن بقاء قتلة المصريين بلا عقاب يليق بدموية جرمهم يطلقون عليه في بلادنا –وياللفضيحة- عدالة، كل ذلك لا يدعو إلي الاستهجان بالنسبة لمنظومة القيم بمجتمعنا الرشيد، أما ما يدعوه للنفور حقا هو وصف كل هذا التشوه بالاستمناء.
كانت تجربة فريدة تلك التي عشتها ليلة الخميس العاشر من فبراير الماضي، كان المخفي لتوه قد ألقي خطابه الأخير مستنفرًا أقذر أساليب الاستفزاز في ظنٍ منه عن جهلٍ أو غباءٍ ليس بغريبين عنه أنه بذلك يثلج صدر أمٍ فقدت زهرة عمرها، أو زوجةٍ ترملت بعد أيام من عرسها، او ابنةٍ تيتمت ولما تر وليها، بكيت كما لم أبك طوال حياتي، بكيت أناسا لم أعرف منهم أحدًا، كما بكيت ضحايا دنشواي بعد أكثر من قرن علي استشهادهم.
العيب .. هي تلك اللفظة مطاطية الطابع التي تعطي للجيل الأكبر حق الفيتو علي أي فعل يأتي به الجيل الأصغر لا يوافق هوي الأول، منذ اليوم الأول للثورة اتفق الشيوخ في مجتمعنا ان ما يحدث هو محض لعب عيال، وقد تبين أن هؤلاء العيال أتوا بما لم يأت به الكهول في شبابهم وشيخوختهم، وبعد الثورة عادت نفس النبرة في الحديث عن التعقل وعن أن ما يحدث من امتداد للثورة بالاعتصامات هو أيضا لعب عيال، وانطلاقا من ثقافة عمرها آلاف السنين أن العيال حينما يلعبون في وقت لا يروق للكبار فيه لعبهم، تظهر تلك اللفظة المطاطية في نبرة حازمة مؤذنة بانتهاء ذلك اللعب بأن .. عيييييييب.
لا أدري ما العيب في مواجهة حقيقة علمية مفاداها أن اكثر من 90% من الشباب يمارسون العادة السرية أو الاستمناء، أما كان الأجدر من منع الحديث في مثل هذا الأمر وتجريم حتي مجرد نطق تلك اللفظة علي الملأ أن نبحث في أسباب العجز الذي أدي بتلك النسبة المخيفة من شبابنا إلي الرذيلة؟ ولا أدري أيضا ما تلك الهالة القدسية التي تلف ذلك المجلس العسكري في زيه السنكري في حكمه، وما العيب في نعته بأنه يحمل أخلاق قواد، إذا افترضنا جدلا أن للقواد أخلاقًا، أليست تلك حقيقته التي تتبدي للكفيف فضلا عن الصحيح؟ ولا أدري أيضا ما العيب في أن يتوقف مجمع التحرير أو ميدان التحرير أو كل الميادين والشوارع المصرية عن السير والحركة، ألسنا بصدد أمر جلل يقتضي أن نقف لأجله وقفة مع النفس، مع التاريخ، مع الحاضر والمستقبل؟ ولا أدري كذلك ما العيب في أن يقبع شيخ هرم في قفص الاتهام بعد أن سرطن طعامنا، ولوث مياهنا، وفيرس أكبادنا، ولم يشعر بأدني قدر من الوجل يليق بشيخ قضي من عمره ثلاثين عاما من الفساد والإفساد وهو ينكر جرائمه كلها كاملة؟ وأخيرًا لا أدري لماذا لا نجد العيب في ترديد ألفاظ من قبيل (Shit, Damn it & fuck) ونجده في تلك اللفظة العربية "استمناء"؟
محمد عوض