Wednesday, August 18, 2010

كانت خبرتي الثانية

كانت خبرتي الثانية، كان التوقيت نفسه أو ما يقاربه، كان الميدان يميد في أضوائه البرتقالية تطل عليه من علٍ، والمارة يحثون في خطوهم خشية السيارات الكثيرة المسرعة التي يعج بها الميدان. لم أكد أتخطي التمثال المقام للفريق أول عبد المنعم رياض، وإذا بغية من الحمام {والتعبير للقرموطي} تتخطاني مسرعة صوب قائد لها يحمل فوق كتفيه كلتيهما نجوما نحاسية تشي برتبته وتعطيه الحق في نهر المارة فضلا عن أفراد سرب الحمام التي اتخذت موقعها علي الرصيف المقابل مولية دبرها للطريق لمنع المارة من اجتيازه لحين عبور الموكب.

اتخذت مكاني أنا الأخر بين أقراني ممن حكم عليهم حظهم بملاقاة الموكب المهيب. أدرت نظري فيمن حولي فإذا بهم كمن تعلوهم الطير، أما أنا فغمرتني نشوة عارمة لإدراكي خبرتي الثانية بعد أعوام ثلاثة. لحظات قليلة وانقطعت السيارات عن المرور، وخلي الميدان إلا من المارة المحجوزين تعلوهم الطير مابين النسور والحمائم، وبدا التمثال، المشير بإحدي سبابتيه كأمثاله علي رؤس الكباري والميادين، في حيرة من أمره، وكأنما يخشى أن يتم ضبطه متلبسا لإشارته غير اللائقة نحو الموكب الذي مرق مخترقا الميدان الخالي وكأنما يمضي لأمرٍ جلل، تحيطه أبواق سيارات الأتاري، وتتقدمه سيارة التشويش وقطع الإرسال، وتأتي في إثرها درة الموكب الداكنة التي يزيدها اللون الأسود رهبة علي رهبة، وجلال علي جلال.

بمرور الموكب أخذت الحياة في الميدان تعود لسيرتها الأولي، انصرف الناس إلي مقاصدهم، وعاد أفراد سرب الحمام إلي مواقعهم، وعادت السيارات إلي جريها الأهوج، واستكملت أنا الأخر طريقي قاصدًا المقهي، مستعيدًا خبرتي الأولي، فللخبرة الأولي رونقها مهما تعاقبت عليها الخبرات... كنت برفقة أحد أصدقائي نتجه سيرًا إلي التحرير بحثا عن كتاب ما، كنا نتجاوز ميدان التحرير عندما كان صديقي يحكي لي عن تلك الواقعة التي شهدها بنفس المكان، عندما كان في طريق العودة إلي منزله في ساعة شديدة الحرارة توقفت فيها الحافلة وطال وقوفها حتي جزع الناس وتساءلوا عن السبب، ومرقت الإجابة سريعة متمثلة في موكب مماثل يخترق الميدان. وبينما صديقي يتابع حكيه اعترض طريقنا أحد المارة قائلا بصوت غليظ:
- مكانك يا كابتن .. اقف مكانك لغاية ما الموكب يعدي.

وقفت وصديقي مشدوهين من أثر الصدمة، فمثل تلك الصدفة لن تتكرر كثيرًا، صدفة لن نتوقف عن سردها في كل مجلس سمر ننزل به، أما أنا فلم أكن أتخيل أن خبرتي الأولي ستأتي بهذه السرعة.
مكثنا علي ذهولنا دقائق إلي أن مرق الموكب وأُذن لنا بالمرور فاستكمل صديقي روايته قائلا:
- بس الموكب ده أصغر من اللي انا شفته، التاني كان أكتر من عشر عربيات، ده أربعة بس.
وهنا تدخلت المرأة التي كانت تعبر الطريق إلي جوارنا حاملة طفلها الرضيع قائلة:
- التاني ده زمانه كان حمار كبير، انما ده جحش صغير.


ملـحوظة
إلي صديقي حامد .. رفيق خبرتي الأولي وخبرات أوْلي كُـثُـر، من مجلسي هنا علي مقهي "أفتر إيت"، وحيث حجر التفاح الثاني علي وشك –بتسكين الشين- الانتهاء ... تحياتي.
محمد عوض

6 اتكلموووووو:

محمد السيد حامد said...

صديقي العزيز محمد
لم يتردد حدسي -من واقع معرفتي بك - و كنت على يقين بأن الأمر يستحق كل هذا الانتظار كي تتجلى علينا في واحدة من أبهى الحلل كما عودتنا .أما بعد التدوينة جميلة وبحق أصبحت تتفو على نفسك بخطى ثابتة تنعكس جليا في
أسلوبك السردي الذي وضعنا في مأزق وحرج من الرد عليك كي لا نزيح من بهاء أسلوبك بعاميتنا وما هو دونها
تتوالى الأيام وتتسارع الأحداث تلك الأيام ولا يبقى منها إلا ما ندر من خواطر أوردها صديق هنا وهناك ، أو وقت عبثنا فيه كالأطفال واحتمينا فيه من ليالي كانت طوال.
فكنت بحق رفيق درب خبرات وخبرات، ومعين علي تقلب الأيام والساعات.

سقراط said...

حامد
حبيبي
والله انت اللي بتحطني في مأزق وحرج
وبتحرجني بالكلام الجميل ده
واللي انا طبعا مش هاعرف ارد عليه
بس عجبتني قوي الكام جملة الاخيرة
"ولا يبقى منها إلا ما ندر من خواطر أوردها صديق هنا وهناك ، أو وقت عبثنا فيه كالأطفال واحتمينا فيه من ليالي كانت طوال."
انت كده بتقطع عليا في محل اكل عيشي يا ريس
فانا بقول تروح تعلق في حتة تانية
:)
كل سنة وانت طيب يا ريس
ورربنا يبارك في عمرنا ونجرب تاني
سوا

عجوز مخرف said...

نعم..أية رياح تعسة ألقت بك هناك يا ولد؟..يتوجب عليك كمواطن /كلب /شيطان..أن تحفظ مواعيد ومسارات مواكب الملائكة لا كى تتلافاها بل لتقف على جانبها كحاشية وهامش (على رأى صاحبنا) ترفع كفيك بالتحية ولسانك يلهج بحمد الله وشكر الأقدار التى ساقتك لرؤية الرهط الطاهر هذا..انت تطول؟

السؤال الذى يحيرنى..هل يغطون نوافذ سياراتهم بالستائر السميكة لكى لا نراهم أم لكى لا يروننا؟

ثم أما بعد فاستمر..دون بهذا المستوى فحديثك يهب كالنسائم على سرائرنا الغضبى..وبقدر الامكان ماتنزلش من البيت عشان ماتشوفش الأشكال دى

سقراط said...

احمد بيه محرم
يا سيدي انت نورت
ده مبدئيا
ثانيا بقي انا عندي اقتراح
بما ان الموضوع بيصفصف في الاخر علينا احنا التلاتة
ولو اني عارف ان الواد طه بيقرأ من غير ما يكتب تعليق
فانا بقول ابقي اقولكم التداوين دي واحنا ع القهوة
ع الاقل الواحد يحس باحساس المسرح
بدل السينما الصامتة دي
:)
اما بخصوص سؤالك عن الستاير السمرا
احب اقولك ان دي حاجة كده زي اللهو الخفي
يعني ممكن في الاخر يطلع ده كله تمويه
وما فيش حد في العربيات دي
ويطلع الواد عاطف هو اللي كان مستخبي في الأرار
ولغاية ما كريمة مختار تعتر عليه
أسيبك بكل صحة وسعادة
يا جدو

محمد السيد حامد said...

اولا لايفوتني ان امسي على جدي العزيز واعتب على طول غيابه عنا
وعلى فكرة حلوة اوي فكرة اللهو الخفي دي جامدة جدا وعمري ما فكرت فيها
وممكن فعلا يكون القرف ده كله من قبيل جهد الداخلية الجهيد للتموين وليس التمويه على هولاء فضلا عن الرغبة في إسعاد الجماهير العريضة البائسة بتلك المواكب الفارهة الفارغة

Mohamed AbdAllah said...

you are great .you are wonderful . you are great . no one here write any thing same you .
بداية اشكر فيك جمال اسلوبك الذي احسسنا بركاكتنا امامك ايها الباب العالي كما يقول الرفيق محمد السسسسيد حامد(والسين مقصودة )لنبحر معا ونرى ان الحال وصل بنا وجعل السفلة من قومنا يفسح لهم ولنا لا ويكرم لهم ولنا لا وتعطى لهم العطايا ولنا لا , وكما اؤكد دائما ان العيب فينا ومالزماننا عيب سوانا ولو قيل للزمان انطق لهجانا .اما قيل في جمالك وجمال اسلوبك فما هو الا قليل فان ارتقائك لسلم المجد مايزال في البداية ولكن البعض يولد افلاطونا او سقراطا كاسمك والآخر على على خلاف ذلك وما اظن الا انك اولا . ( وابقى ياعم اصطاد لنا ولا هات لنا نسر ولا صقر ولا حاجة) والسلام ختام