كنت رايح أصلي العشا ووصلت متأخر بعد ما الصلاة خلصت،، فاتجهت لاخر صف في المسجد علشان أصلي ورا حد من المصلين المتأخرين، وانتبهت علي صوت الإمام بيتكلم في الميكرفون وبيقول "الأستاذ فلان الفلاني ليه سؤال نسمعه،، اتفضل يا فندم" وقال الاستاذ فلان السؤال بتاعه ولاني كنت في اخر المسجد فمسمعتش. ولما انتهي من السؤال بدأ إمام المسجد يعيد السؤال تاني في الميكرفون اللي كان صوته عالي قوي وقال "الاستاذ فلان سأل سؤال مهم جدا، هو كان بيقول لو ممكن نخلي درس الدين بعد ما الناس المتأخرين يخلصوا صلاة علشان ماينشغلوش بصوت الميكرفون العالي عن الصلاة،، واحنا بنقول ان ده كلام طيب، بس خلينا نسمع رد أهل العلم في المسألة دي" وبعدين استفاض إمام المسجد في شرح رأي أهل العلم واللي مضمونه ان الدرس أولي من الصلاة وان احنا لو استنينا كل الناس المتأخرين يبقي مش هايكون في درس خالص مع الاحترام لكل المتأخرين طبعا.
ولما بدأ الإمام يسرد في أقوال أهل العلم انا كنت اتخذت مكاني خلف أحد المصلين وبدأت الصلاة، وهو كان مكمل كلامه في الميكرفون اللي صوته عالي، المهم الشيخ اتخذ مسار تاني خالص في الموضوع وقال "وخلونا ناخد بالديمقراطية، احنا الحمد لله بدأنا نطبق الديمقراطية من بعد الثورة فخلونا نعمل استفتاء بسيط كده بينا وبين بعضنا، مين هنا اللي موافق ان درس العلم يبقي بعد الصلاة مباشرة؟؟" وفي اللحظة اللي سأل فيها الشيخ السؤال كنت انا بقوم من الركوع وبشكل عفوي تماما بصيت علي المسجد قدامي، وحاولت اني اعد الايادي المرفوعة لكن الشيخ ما أمهلنيش لقيته بيقول "أغلبية الحمد لله" بنفس طريقة فتحي سرور "الموافق علي الدرس بعد الصلاة يتفضل برفع يده موافقة" مافيش اي مساحة زمنية ما بين السؤال والنتيجة تسمح بتقدير عدد الايادي المرفوعة واللي كان باين من مكاني في أخر المسجد انه عدد قليل جدا.
انا توقعت اني لما هاكتب الحكاية دي في تدوينة هالاقي واحد يرد عليا ويقولي "هو حضرتك كنت بتصلي ولا بتتفرج؟" وانا بصراحة حابب اجاوب علي السؤال ده مقدما، لان هو ده بالظبط اللي كان بيتكلم عنه الاستاذ فلان الفلاني، ان الدرس هايشوش علي الناس اللي بتصلي، وهو ده اللي حصل بالظبط معايا وفي الغالب مع كل المصلين، انا خرجت من تركيزي في الصلاة تماما ومابقيتش سامع غير صوت إمام المسجد في الميكرفون اللي صوته عالي.
في حلقة من حلقات برنامج "حبة عسيلي" أحمد العسيلي كان مستضيف واحد عادي جدا من الشارع وبيتكلم معاه،، الراجل اللي كان مستضيفه حكي حكاية عمري ما هنساها طول حياتي،، قال: "في مرة بنتي الصغيرة جت سألتني يعني ايه مسيحي؟ فقلت لها انت سمعتي الكلمة دي فين؟ قالت لي في الحضانة الميس بتاعتنا قالت لي ما تعلبيش مع شادي علشان ده مسيحي" الراجل بيعلق بيقول "انا اندهشت من تصرف المدرسة دي والتفت للبنت لقيتها بتكرر نفس السؤال: يعني ايه مسيحي؟ فقلت لها مش احنا بنعبد ربنا؟ قالت لي اه،، قلت لها وانا بصلي وماما بتصلي؟؟ قالت لي اه،، قلت لها بس ماما لما بتصلي بتلبس اسدال وانا لا، مش كده؟؟ قالت لي اه،، قلت لها اهما المسيحين دول ناس بيعبدوا ربنا بس بطريقة تانية غير اللي احنا بنعبد بيها"
الحكاية دي انا عمري ما هانساها وعمري ماهنسي الراجل ده أبدا،، والمشكلة اني بحاول أقارن بينه وبين إمام المسجد، الاتنين في مكان المعلم أو المربي، بس فرق كبير جدا ما بين الحفظ والفهم، الشيخ كان حافظ رأي علماء الدين مش فاهمه، ماحاولش يشغل دماغه ويفكر ان مافيش تناقض ما بين الناس اللي عايزة تحضر درس علم والناس اللي عايزة تصلي، ماجربش يفكر ان المساجد اللي كان فيها دروس العلم زمان كان مساحتها كبيرة وتسمح ان الدرس يبقي في ركن من الاركان بيستند فيه الشيخ لعامود من أعمدة المسجد بعيد عن المصلين المتأخرين، وانه ماكانش بيتكلم في ميكرفون صوته عالي جدا بالشكل ده، فبالتالي كان اللي بيجي متأخر بيقدر يصلي من غير ما يتأثر بصوت الشيخ،، انا بحاول اتخيل لو إمام المسجد هو اللي كان في موقف الأب ده، كان هايقول لبنته ايه؟؟؟
الإمام أبو حنيفة جاله راجل في مرة بيجري وبيقوله: "يا إمام أحدهم حفظ البخاري" فبص له أبو حنيفة في نظرة خالية من أي اندهاش وقاله بمنتهي البساطة: "إذن فقد زاد البخاري نسخة" يعني احنا ماستفدناش حاجة بدل ما كان عندنا ألف نسخة من البخاري دلوقتي بقوا ألف وواحد. أخطر عيب في أسلوب الحفظ هو انه بيفترض ان مافيش أسئلة بره المنهج لاننا حافظين المنهج، وبالتالي بيقضي علي أي قدرة لعقل الانسان علي التفكير، فلما يحصل مثلا ان شيوخ السلفية يحرموا الديمقراطية وبعدين فجأة يحللوها ده ما يدفعش أتباعهم انهم يتساءلوا عن السبب، غاية ما هناك ان المنهج اتغير، خلاص يبقي هانحفظ المنهج الجديد.
في مرة كنت راكب ميكروباص وجمبي شاب ملتحي ودار بينا حوار عن الديمقراطية فقال لي بمنتهي الحزم والقطع "الديمقراطية دي أصلا حرام شرعا لانها بتخالف قاعدة فقهية أصيلة" فسألته بسرعة جدا ايه هي القاعدة دي؟؟ قالي "هي الديمقراطية دي مش حكم الشعب للشعب؟" قلتله ايوة، قالي "وربنا بيقول في كتابه الكريم اييييه؟،، إن الحكم إلا لله" ....... الصدمة عقدت لساني وسكت تماما وماردتش عليه، ساعتها افتكرت الجملة اللي كان بيقولها عمرو واكد في فيلم إبراهيم الأبيض، كان بيقول "إبراهيم ما يخافش غير م الغشيم،، لأن الغشيم يا يقتلك،، يا يزنقك تقتله"