كم يُثيرون غيظي .. كم أحسدهم على ذلك الثبات .. حاولت بدافعٍ من الغبطة أحيانًا، ومن الحسد أخري، أن أحذو حذوهم واتمكن من الوقوف بثبات دون التشبّث بأى من تلك الحلقات البلاستيكية، أو الأنابيب المصمتة، أثناء سير المترو ...
قضيت لحظاتٍ أرقبُه خلتها دقائق .. يقف بثبات، لا يُعِير تلك المكابح اهتمامًا .. يتشبّث بمصرعي كتابه كما أفعل أنا مع تلك الأنبوبة العمودية فى أحد أركان العربة .. بعد برهة من التأمل لفت انتباهي عنوان الكتاب .. إنها تلك الرواية التى ذاع صيتها مؤخرًا .. لا أنكر أنها أعجبتني، وإن كنت أكره ذلك، بدافع من كرهي لكل ما يروق هؤلاء الحمقي الملايين ...
حدثتني نفسي بمبادلته أطراف الحديث بصدد تلك الرواية .. ليس ذلك تمامًا ما أردته، وإنما أردت الولوج عبر هذا الثابت .. لم يَطل ترددي حتى بادرته، أو قل فاجأته قائلة: إنها "فانتزيا"، أليس كذلك؟ .. فردّ باقتضاب شديد بعد نظرة طويلة فاحصة: نعم هى ...
تجاوزت عينيه التى لم تلبث أن عادت إلى الأوراق مرة أخري، وقلت فى شيء من التوتر: كيف تراها؟ .. باعد بين مصرعي ثغره راسمًا ابتسامة قصيرة تزامنت مع تقارب مصرعي الكتاب مغلقا إياه وقال: أنا أقرأها للمرة الثانية ولم تتغير رؤيتي لها .. مزيج من السطحية والمبالغة، ينقصها الكثير من الحبكة الفنية، وان لم تخل من المثيرات الشعبية. تساءلت مسرعة: وما المثيرات الشعبية؟ .. فأجاب فى هدوء: ثُلة من مثيرات الانفعال، يأتى على رأسها الجنس والنزاع الطبقي، والتى غالبًا ما يستخدمها الكاتب لتحقيق مدي أوسع من الانتشار، وقدر أكبر من العائد المادى .. أفلتُّ قبضتي استعدادًا للزود عن نفسي التى تمثلت فى إعجابي بتلك الرواية، وقلت فى شيءٍ من الانفعال: إذن أنت أحدهم؟ .. تقطّبت جبينه، وتقوّس حاجباه، وتساءل بدوره: ومن هم؟ فقلت بشيءٍ من الثبات: أولاء الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام برجب. عاد إلي الابتسام قائلا: حسنا إن كان هذا هو لسان أولائك، فماذا يري تلكم؟ .. تناولت قدرًا لا بأس به من الأكسجين، وزفرته فى بطءٍ، ثم قلت: إنها مجرد تجسيد لواقعنا المرير، وذاك ليس ذنب الكاتب. فصمت قليلا ثم قال: عند مرحلة معينة لا تجدي شكوي المريض، وإنما تهّيئه لاستقبال المزيد من الآلام التى قد يؤدي تصاعدها الى سقوطه صريعا .. فأسرعت بسؤاله: إذن فلماذا تقرأها للمرة الثانية؟ فأجاب من فوره: حتى أثقل من رؤيتي، واتجنب الرؤية السطحية ... وهنا أصدر سائق المترو أوامره بكبح جماح ذلك الثعبان الحديدي الهائل، تلك الأوامر التى تلقتها المكابح بشيءٍ من الغلظة كدت أسقط على إثرها، ولكنى عدت للتشبّث بتلك الاسطوانة المعدنية، ورمقت مُحدّثي بنظرة تملؤها الغيرة حيث كان ثابتا فى مكانه.
قضيت لحظاتٍ أرقبُه خلتها دقائق .. يقف بثبات، لا يُعِير تلك المكابح اهتمامًا .. يتشبّث بمصرعي كتابه كما أفعل أنا مع تلك الأنبوبة العمودية فى أحد أركان العربة .. بعد برهة من التأمل لفت انتباهي عنوان الكتاب .. إنها تلك الرواية التى ذاع صيتها مؤخرًا .. لا أنكر أنها أعجبتني، وإن كنت أكره ذلك، بدافع من كرهي لكل ما يروق هؤلاء الحمقي الملايين ...
حدثتني نفسي بمبادلته أطراف الحديث بصدد تلك الرواية .. ليس ذلك تمامًا ما أردته، وإنما أردت الولوج عبر هذا الثابت .. لم يَطل ترددي حتى بادرته، أو قل فاجأته قائلة: إنها "فانتزيا"، أليس كذلك؟ .. فردّ باقتضاب شديد بعد نظرة طويلة فاحصة: نعم هى ...
تجاوزت عينيه التى لم تلبث أن عادت إلى الأوراق مرة أخري، وقلت فى شيء من التوتر: كيف تراها؟ .. باعد بين مصرعي ثغره راسمًا ابتسامة قصيرة تزامنت مع تقارب مصرعي الكتاب مغلقا إياه وقال: أنا أقرأها للمرة الثانية ولم تتغير رؤيتي لها .. مزيج من السطحية والمبالغة، ينقصها الكثير من الحبكة الفنية، وان لم تخل من المثيرات الشعبية. تساءلت مسرعة: وما المثيرات الشعبية؟ .. فأجاب فى هدوء: ثُلة من مثيرات الانفعال، يأتى على رأسها الجنس والنزاع الطبقي، والتى غالبًا ما يستخدمها الكاتب لتحقيق مدي أوسع من الانتشار، وقدر أكبر من العائد المادى .. أفلتُّ قبضتي استعدادًا للزود عن نفسي التى تمثلت فى إعجابي بتلك الرواية، وقلت فى شيءٍ من الانفعال: إذن أنت أحدهم؟ .. تقطّبت جبينه، وتقوّس حاجباه، وتساءل بدوره: ومن هم؟ فقلت بشيءٍ من الثبات: أولاء الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام برجب. عاد إلي الابتسام قائلا: حسنا إن كان هذا هو لسان أولائك، فماذا يري تلكم؟ .. تناولت قدرًا لا بأس به من الأكسجين، وزفرته فى بطءٍ، ثم قلت: إنها مجرد تجسيد لواقعنا المرير، وذاك ليس ذنب الكاتب. فصمت قليلا ثم قال: عند مرحلة معينة لا تجدي شكوي المريض، وإنما تهّيئه لاستقبال المزيد من الآلام التى قد يؤدي تصاعدها الى سقوطه صريعا .. فأسرعت بسؤاله: إذن فلماذا تقرأها للمرة الثانية؟ فأجاب من فوره: حتى أثقل من رؤيتي، واتجنب الرؤية السطحية ... وهنا أصدر سائق المترو أوامره بكبح جماح ذلك الثعبان الحديدي الهائل، تلك الأوامر التى تلقتها المكابح بشيءٍ من الغلظة كدت أسقط على إثرها، ولكنى عدت للتشبّث بتلك الاسطوانة المعدنية، ورمقت مُحدّثي بنظرة تملؤها الغيرة حيث كان ثابتا فى مكانه.